تنبيه: كتاباتي قد تسبب إدمانًا!⚠️

الروايات تُنشر على حلقات – تابعنا يوميًا للحصول على جديد الحلقات!

عامتاريخ

كسوة الكعبة الشريفة: تاريخ من العظمة والتقديس

الحج هو من أعظم الشعائر الإسلامية التي تلفت انتباه العالم كل سنة، ومشهد الحجاج الذين يأتون بالملايين من كل مكان في الدنيا لتلبية شعائر الحج وهم يرددون “لبيك اللهم لبيك”، مشهد يزلزل القلوب ويزيد الإيمان. ومن المظاهر الاحتفالية المميزة التي تصاحب موسم الحج هي تغيير كسوة الكعبة الشريفة، هذه القطعة الفنية الرائعة التي تحمل في طياتها تاريخاً طويلاً من العظمة والتقديس.

ماهية كسوة الكعبة المشرفة

كسوة الكعبة المشرفة هي قطعة من الحرير الأسود المنقوش عليه آيات من القرآن الكريم بماء الذهب، والكسوة هذه عبارة عن قماشة كبيرة تغطي الكعبة المشرفة بالكامل، وتعتبر من الشعائر المتوارثة منذ زمن بعيد كجزء من تعظيم بيت الله الحرام. وقد تغير شكل كسوة الكعبة على مر التاريخ حيث كان لكل كسوة ألوان وأقمشة وأشكال مختلفة.

كسوة الكعبة

تاريخ كسوة الكعبة: البدايات الأولى

يرجع تاريخ كسوة الكعبة إلى عهد النبي إبراهيم عليه السلام، الذي بنى أساسات الكعبة مع ابنه إسماعيل عليه السلام، وكساها بالقماش. وبعد ذلك تناوب الأنبياء والملوك من بعده في تغيير كسوة الكعبة، نبي بعد نبي وملك بعد ملك، حتى استقر الأمر في أيدي قبيلة قريش التي كانت تدير كل ما يخص الكعبة المشرفة.

تروي الحكايات التاريخية أن “تُبّع” ملك اليمن مر بالكعبة في طريق عودته من فتح بعض المدائن في الجزيرة العربية، فطاف بها، ثم رأى في المنام أنه يكسوها ويجعل لها باباً ومفتاحاً، فأوصى بكسوتها، وهو أول من فعل ذلك.

وفي رواية أخرى قيل إن أول من كسا الكعبة هو “عدنان بن أد”، الجد الأعلى للرسول محمد صلى الله عليه وسلم، بعدما خاف أن يُدرس الحرم فوضع أنصابه، فكان أول من وضعها وأول من كسا الكعبة.

كما عُرف أن أول امرأة كست الكعبة في الجاهلية هي “نتيلة بنت جناب” أم العباس بن عبد المطلب، وكانت قد نذرت ذلك عندما ضاع ابنها العباس، فنذرت لله أن تكسو الكعبة وحدها إذا عاد إليها ابنها الضائع، فعاد فكانت أول امرأة في التاريخ كست الكعبة وحدها.

كسوة الكعبة في عهد الرسول والخلفاء الراشدين

لم يشارك النبي محمد صلى الله عليه وسلم في كساء الكعبة قبل فتح مكة، وذلك لأن قريشاً لم تسمح له بهذا الأمر. وبعد فتح مكة في العام التاسع الهجري، أبقى الرسول على كسوة الكعبة القديمة ولم يستبدلها حتى احترقت على يد امرأة كانت تقوم بتبخير الكعبة، حينها قام النبي بكسوة الكعبة بالثياب اليمانية البيضاء والقباطي المصرية.

بعد وفاة النبي، سار الخلفاء الراشدون على نهجه:

  • أبو بكر الصديق كسا الكعبة بالقباطي المصرية.
  • عمر بن الخطاب كساها أيضاً بالقباطي، وأمر أن تكون الكسوة من بيت مال المسلمين.
  • عثمان بن عفان كان أول من ظاهر كسوتين: القباطي والبرود، وكان أول من قرر للكعبة كسوتين الأولى بالديباج يوم التروية والأخرى بالقباطي يوم السابع والعشرين من رمضان.
  • علي بن أبي طالب لم يذكر المؤرخون أنه كسا الكعبة، نظراً لانشغاله بالفتن التي حدثت في عهده.

ألوان كسوة الكعبة عبر العصور

المفاجأة هنا أن لون كسوة الكعبة لم يكن أسود دائماً، بل تغير لونها عبر العصور:

  • في عهد سيدنا إبراهيم كان لون الكسوة بني فاتح لأنه كساها من جلد الماعز
  • في عهد النبي محمد صلى الله عليه وسلم كسيت الكعبة باللون الأبيض والأحمر
  • في عصر الخلفاء الراشدين كان لونها أبيض ناصع
  • تغيرت الألوان بعد ذلك للأصفر والأخضر والأحمر والأبيض
  • في العصر العباسي استقر لون كسوة الكعبة على اللون الأسود، وذلك في عهد الخليفة العباسي الناصر عام 622هـ
كسوة الكعبة قديماً

ويرجع سبب اختيار اللون الأسود لكسوة الكعبة إلى أن قوة هذا اللون تتحمل التغيرات الجوية على مدار السنة، مقارنة بباقي الألوان التي لا تتحمل تغيرات الطقس والمناخ، خاصة أن الكسوة يتم تغييرها مرة واحدة كل سنة.

الدول التي اشتهرت بصناعة كسوة الكعبة

العصر الأموي

اهتم الخلفاء الأمويون بكسوة الكعبة المشرفة اهتماماً بالغاً. في عهد معاوية بن أبي سفيان، كانت الكعبة تُكسى مرتين في العام: كسوة في يوم عاشوراء والأخرى في آخر شهر رمضان استعداداً لعيد الفطر. وكانت كسوة الكعبة ترسل من دمشق، حيث تُصنع من أحسن الأقمشة وأفضلها.

العصر العباسي

بحث العباسيون عن خير بلد تصنع أجود أنواع الحرير، فوجدوا غايتهم في مدينة “تنيس” المصرية، التي اشتهرت بالمنتجات الثمينة الرائعة. وكان المهدي العباسي أول من أمر بتجريد الكعبة مما اجتمع عليها من كسوات متراكمة خوفاً على البناء.

أمر الخليفة المأمون أن تُكسى الكعبة ثلاث مرات كل سنة:

  • الديباج الأحمر يوم التروية
  • القباطي في أول شهر رجب
  • الديباج الأبيض في عيد الفطر

دور مصر في كسوة الكعبة

لمصر تاريخ عظيم مع كسوة الكعبة المشرفة، حيث انفردت بصناعة وإرسال كسوة الكعبة الشريفة لحوالي 275 سنة تقريباً. وبدأ تقليد نقل كسوة الكعبة من مصر في عهد المماليك وبالتحديد في عهد الظاهر بيبرس، حيث كانت الكسوة تخرج مع الحجيج وتصاحب خروجها احتفالية كبيرة في مشهد عظيم.

كانت احتفالية خروج الكسوة من مصر تستمر ثلاثة أيام لا تنام القاهرة خلالها، وتبدأ طقوس خروج الكسوة من “دار الكسوة” في حي “الخرنفش” بالقاهرة، المكان الذي كانت تُصنع فيه الكسوة من أجود أنواع الحرير والديباج، وتُزخرف بآيات قرآنية مطرزة بخيوط من الذهب والفضة.

استمرت مصر في صناعة كسوة الكعبة حتى عام 1962م، عندما تولت المملكة العربية السعودية شرف صناعتها.

مصنع صناعة كسوة الكعبة في مكة المكرمة

المملكة العربية السعودية وكسوة الكعبة

في عام 1346هـ/1926م أصدر الملك عبد العزيز آل سعود أمراً ملكياً بتشييد مصنع “أجياد” كأول مصنع سعودي لصناعة كسوة الكعبة المشرفة، وكان أغلب العاملين به من الفنيين الهنود مع بعض السعوديين.

وفي عام 1352هـ/1934م كسيت الكعبة المشرفة بأول كسوة سعودية. وفي عام 1397هـ/1977م أنشأت السعودية مصنعاً جديداً لكسوة الكعبة بمنطقة “أم الجود” بمكة المكرمة، وزودته بأحدث الإمكانيات اللازمة لإنتاج الكسوة، مع الإبقاء على أسلوب الإنتاج اليدوي لما له من قيمة فنية.

في عام 1439هـ/2018م، صدرت موافقة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود على تغيير اسم مصنع كسوة الكعبة إلى “مجمع الملك عبدالعزيز لكسوة الكعبة المشرفة”، تكريماً للملك المؤسس.

مراحل صناعة كسوة الكعبة الشريفة حالياً

تمر صناعة كسوة الكعبة المشرفة حالياً بعدة مراحل:

1. مرحلة الصباغة

هي أولى مراحل إنتاج الكسوة في المصنع، حيث يتم استخدام مياه محلاة خاصة لصباغة الحرير الطبيعي الخالص باللون الأسود.

2. مرحلة النسيج

يتم نسج قماش الكسوة من الحرير المصبوغ باللون الأسود، وتُعد هذه المرحلة من أهم المراحل وأدقها.

3. مرحلة الطباعة

تتم طباعة النقوش والكتابات على القماش الأسود استعداداً للتطريز.

4. مرحلة التطريز

يتم تطريز الآيات والنقوش المطبوعة باستخدام خيوط من الفضة المطلية بالذهب، وهي من أدق المراحل وأكثرها فنية.

5. مرحلة الخياطة

يتم تجميع قطع الكسوة وخياطتها معاً لتشكيل الكسوة الكاملة.

6. وحدة العناية بالكسوة

المرحلة الأخيرة وفيها يتم التأكد من جودة الكسوة واكتمال جميع أجزائها قبل تركيبها على الكعبة المشرفة.

أوصاف وتفاصيل كسوة الكعبة الحالية

كسوة الكعبة في الوقت الحالي تتكون من:

  • 670 كيلوجرام من الحرير
  • 15 كيلوجرام من ماء الذهب
  • 120 كيلوجرام من خيوط التطريز

ويصل طول كسوة الكعبة إلى 47 متراً، وارتفاعها 14 متراً، ويصل وزنها إلى 650 كيلوجراماً، ويستغرق تصنيعها حوالي 8 أشهر.

تتكون الكسوة من:

  • الثوب الرئيسي الذي يغطي أركان الكعبة الأربعة
  • الحزام وهو شريط عريض يلتف حول أعلى الكعبة بارتفاع 95 سم مكتوب عليه آيات قرآنية بالخط الثلث المركب
  • ستارة باب الكعبة (البرقع) وهي مصنوعة من نفس قماش الحرير الأسود، وارتفاعها 6.5 متر، وعرضها 3.5 متر
مراحل صناعة كسوة الكعبة

توقيت تغيير كسوة الكعبة وما يحدث للكسوة القديمة

يتم تغيير كسوة الكعبة سنوياً، وبعد أن كان يتم ذلك تقليدياً في يوم وقفة عرفة (التاسع من ذي الحجة)، أصبح يتم حالياً في الأول من محرم من كل عام هجري جديد.

أما الكسوة القديمة بعد إزالتها، فيتم تقسيمها إلى 56 جزءاً، وتخزن في مستودعات خاصة بالرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي، وبعد ذلك يتم إهداء أجزاء منها لبعض المتاحف والمزارات أو لبعض الشخصيات العامة أو الرؤساء والملوك.

ما يوجد داخل الكعبة حالياً

أما عن محتويات الكعبة من الداخل، فقد أفاد كبير سدنة الكعبة “صالح الشيبي” أن بيت الله الحرام لا يوجد فيه أي شيء سوى دولابين مصنوعين من الخشب، توضع فيهما أدوات غسل الكعبة والكسوة.

وتجدر الإشارة إلى أن الكعبة مكسوة بالحرير من الداخل والخارج، حيث يستخدم اللون الأسود للكسوة الخارجية واللون الأخضر للكسوة الداخلية.

داخل الكعبة المشرفة توجد أيضاً:

  • أرضية من الرخام الفاخر
  • تسعة أحجار من الرخام مكتوبة بخط الثلث بالحفر على الحجر، إلا حجراً واحداً مكتوباً بالخط الكوفي البارز
  • ريح طيبة من خليط المسك والعود والعنبر الذي يستخدم بكميات كبيرة لتنظيفها
  • سلم مغلق يؤدي إلى باب مستطيل يؤدي إلى السقف

خاتمة

وهكذا يتبين لنا أن عملية صناعة كسوة الكعبة المشرفة عملية معقدة تحتاج إلى جهد وتكلفة كبيرة، ولكنها أيضاً عملية ذات أهمية بالغة كونها تمثل تكريماً للبيت العتيق الذي وضعه الله في الأرض ليكون محل عبادة وتقديس.

تحمل كسوة الكعبة المشرفة في طياتها تاريخاً عريقاً من العظمة والتقديس عبر العصور، وقد حرص المسلمون على مر التاريخ على إسباغ أفضل أنواع الأقمشة والحلي على بيت الله الحرام كنوع من التعظيم والتقديس.

وما زال هذا التقليد متوارثاً إلى يومنا هذا، حيث تولي المملكة العربية السعودية اهتماماً بالغاً بصناعة وتركيب كسوة الكعبة المشرفة كجزء من خدمتها للحرمين الشريفين وزوارهما من حجاج بيت الله الحرام.

المصادر

اضغط هنا لقراءة مقال آخر

"صورة توضيحية للاشتراك في النشرة البريدية"

ابق على اطلاع

هل تحب الروايات المثيرة والمقالات المفيدة؟
اشترك الآن ليصلك كل جديد من الكاتب إسلام عبد الله مباشرة في بريدك.

نحن لا نرسل البريد العشوائي! اقرأ سياسة الخصوصية الخاصة بنا لمزيد من المعلومات.

إسلام عبد الله

إسلام عبد الله يرحب بكم في عالمه، حيث تتحول الكلمات إلى متاهات... أكتب في الغموض النفسي، الإثارة، والرعب بأسلوب يخدش الواقع ثم يغرقه في الظلال. هنا، كل قصة هي لعبة ذهنية. قد تُضحكك في منعطف، ثم تُصيبك بالقشعريرة في التالي. هل أنت مستعد لتدخل عوالمي؟
0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest

0 تعليقات
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
زر الذهاب إلى الأعلى
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x