الحلقة السابعة عشرة من الجزء الأول من العابث
مَنْ لم يتملَّكه الغرور .. لم يَذُقْ طعم النجاح
.. ابتسم فرناندو وهو يهز رأسه لآدم وربت على كتفه، وانصرف مغادرًا بسرعة .. وظل آدم واقفًا بمفرده بباحة السجن وهو يراجع خطة هروبه بدقة ويتمنى ألا يحدث خطأ ما مفاجئًا يعطله عن تنفيذها .. مر الوقت كالدهر على آدم وهو في انتظار مرسال سيذر ليأتي إليه .. وبمرور الوقت بدأ يتسرب الشَّكُّ إلى قلبه .. هل خانه فرناندو وأخبر سيذر بنيته للهرب؟ هل لم يقتنع سيذر بكلام فرنناندو .. هل تسرَّب حديث فرنناندو إلى أحد رجال سيذر؟ اقتربت الساعة من الرابعة وبدأ آدم يتخيل الأسوأ .. لكن بعد عدة دقائق قليلة أتاه شخصان مسلحان أمسكاه من يديه ومرَّا به بسرعة من خلال البوابة إلى قطاع g8 .. وظل آدم بين الرجلين متحفزًا يقظًا يخطط لأكثر من سيناريو لمواجهة أي موقف قد يحدث بالداخل .. عشر دقائق مرت بسرعة .. وأصبح خلالها آدم أمام سيذر في غرفته ووجده غريقًا في عرقه الشديد وملابسه مبتلة بالمياه والأملاح تغزو جسده وهو يحمل علامات الغضب الشديدة أعلى وجهه .. ووقف سريعًا في مكانه عندما رأى آدم .. مسح آدم الغرفة بعينيه سريعًا فور دخوله .. فوجد بالغرفة بخلاف سيذر وفرنناندو .. خمسة زعماء من رجال سيذر منهم جيرمينو.. يقفون على يسار سيذر ويبدو على ملامحهم الحيرة من وجود آدم المفاجئ بالغرفة .. إذًا إجمالي مَنْ كان بالغرفة في تلك اللحظة 7 رجال بالإضافة إلى المسلحين الذين أتو بآدم .. اقترب سيذر من آدم وهو غاضب بشدة “دي لو تراسيون .. دي جرينجو؟” .. فترجم فرنناندو حديثه “مَن الخائن ايها الجرينجو؟ فلتخبر السيد سيذر .. بمن يبيع المخدرات من خلف ظهره، ومن الذي كان يدبر له عملية الاغتيال ..” جال آدم بنظره في وجوه رجال سيذر .. فوجد معظمهم ينظرون إليه مندهشين من الموقف الحالي .. فابتسم لهم آدم، وظل ينظر إلى كل شخصٍ منهم .. فمنهم من نظر إليه شزر ومنهم من نظر إليه بتحدٍّ، ومنهم من كان يُداري عينيه ويتحاشا نظرات آدم، ومنهم من كان خائفًا للغاية .. فابتسم آدم بثقة ووقف أمامهم في منتصف الغرفة .. فتحدث جيرمينو إلى سيذر بغضب “سيد سيذر هل ستصدق هذا الجرينجو المخبول وتشك في رجالك المخلصين؟ وهل لو هناك شخص يخونك سوف يعلمه هذا الجرينجو الذي أتى بالأمس إلى السجن؟ هل ستصدق هذا الخبل يا سيدي؟” .. نظر إليه سيذر وبدا على وجهه الاقتناع بكلامه وبدأ يتردد .. فترجم فرننادو الحديث إلى آدم بسرعة وهو قلق .. ولكن آدم اكتفى بأن ابتسم وتحدث بالإنجليزية إلى سيذر وقام فرننادو بترجمة حديثه بسرعة .. “إن الخائن يا سيد سيذر يقوم بعملية المبادلة داخل السجن عن طريق الجورب .. فيضع المخدرات بجورب أزرق والنقود بجوأرب أسود .. ولقد قمتُ بوضع بعض النقود في جورب أسود وقد كتبتُ عليها بعض العبارات .. ومن ثم مَن يخون السيد سيذر ويقوم بالعمليات لنفسه سوف نجد معه النقود وعليها كتاباتي .. لأن الغلة كلها يجمعها هو من رجاله .. ولقد أخبرتُك أن تجمعهم سريعًا حتى لا يستطيع أن يضع النقود في مكان آخر .. الخائن سوف نجد معه النقود الآن بالتأكيد ” .. فصرخ أحدهم ساخرًا ..” هذا ليس دليلًا على شيء .. فبالتأكيد سوف تجد مع أي شخص في السجن الآن نقودًا عليها بعض الكلمات .. هذا شيء شائع بالتأكيد ..” .. انتهى فرنناندو من الترجمة .. فابتسم آدم ..”نعم كنتُ أعلم أن أحدًا ما سيقول ذلك .. لهذا كتبتُ على النقود بالعربية كلمة أنا الخائن .. حتى لا يكون هناك أي شكٍّ .. فأنا الوحيد هنا الآن من يكتب بالعربية .” .. ثم أخرج ورقة متوسطة الحجم من جيبه، وفردها أمام سيذر .. “وأنا كاتب في تلك الورقة بنفس الخط نفس الكلمات .. أنا الخائن .. سوف تجدون نفس تلك الكلمات على النقود .. ومن ثم هذا لا يدع أيَّ شكٍّ أو مجالٍ للحديث بعد ذلك ..” .. فأخذ فرناندو الورقة وأعطى سيذر إيَّاها الذي نظر بها قليلًا .. واحمرت عيناه من كثرة الغضب ..هنا نظر الرجال إلى بعضهم البعض، وبدأ يسري القلق والشك بينهم .. ولكن التقط آدم بعينيه الخبيرة .. رجلًا من بينهم يقف في المنتصف تمامًا .. بدأ يرتبك وهو يتحسس جيبه بطريقةٍ لا إرادية .. فأشار إليه آدم في الحال .. “هذا هو الخائن .. فتشوا هذا الرجل الآن .. وسوف تجدون معه النقود ..” هنا نظر إليه سيذر بغضب ووقف أمامه وصرخ به “أخرج ما بجيبك الآن.. ليبواردو .. وألقِ سلاحك أمامك في الأرض ” وقف ليبواردو أمامه خائفًا، فسحب سلاحه ببطء من خلف ملابسه، وأعين الرجال حوله تفترسه متحفزةً، وأيديهم على أسلحتهم .. فأخرجه ليبواردو ببطء وألقاه على الأرض، فحدَّثه سيذر صارخًا: “أخرج ما في جيبك“

سيذر ورجاله
الآن ليبواردو .. أخرج ما تحمله كله الآن أيها اللَّعين”. نظر ليبواردو إلى سيذر وبدأت عيناه في الدموع وحديثه يتحشرج “أرجوك سيد سيذر .. أنا لم أقم بذلك من أجـ .. ” .. لم يكد يكمل جملته حتى قام جيرمينو بإطلاق النيران عليه فأرداه صريعًا في الحال .. شعر الجميع بالصدمة والمفاجأة من فعل جيرمينو .. فصرخ به سيذر غاضبًا .. ” ماذا فعلت ياجيرمينو؟ لماذا قتلته؟” فرد جيرمينو بهدوء شديد .. “لقد قتلته لأنه خائن يا سيدي .. وأي شخص يخون السيد سيذر يستحق الموت في الحال .. ولقد كان ليبواردو هذا الخائن هو السبب في مقتل الكثير من رجالنا .. ” .. ثم مال على جسد ليبواردو وفتش ملابسه، فأخرج منها الكثير من النقود .. وظل يقلب بالنقود حتى وجد بعض العملات الورقية مكتوبًا عليها بالعربية بخط آدم .. فأعطى سيذر إياها وهو يحدثه بحنق “هذه هي آثار خيانته يا سيد..” .. فظل سيذر يقلب بالنقود وهو يبتسم له .. “لقد صرخت بك ليس غضبًا لقتله يا جيرمينو .. بل لأنك بقتله هكذا رحمته .. لقد كنتُ أنوي أن أجعل منه عبرةً لمن يتجرأ ويحاول أن يخونني ..” .. ثم ضرب جسد ليبواردو بقدمه وهو يُحدِّث رجاله ..” احملوا تلك القذارة بعيدًا عني .. ” .. فحمله بعض الرجال وخرجوا من خارج غرفته .. نظر آدم إلى ليبواردو وهم يسحبونه إلى الخارج .. وشعر بالندم يعتصر قلبه وهو يعلم أنه هو المسئول عن موته .. ولكن حاول تهدئة نفسه قليلًا وهو يخبر نفسه .. أن في ذلك المكان إما تكون قاتلًا أو مقتولًا .. فهنا سيأكل القوي الضعيف .. فهنا الوقع الذي يختلف عن الأفلام .. فلن ينجو البطل بأن يضرب جميع المساجين .. أو يدخل بطولة فنون قتالية للمساجين ويفوز بها .. بل هنا أسهل شيء هو أن يقتلك أي شخص ويذهب ليتناول إفطاره .. فيجب علي النجاة هنا بأي طريقةٍ .. وبأي ثمن حتى ولو كان على حساب الآخرين .. أخرجه عن تفكيره ذلك .. نظرات سيذر وهو يربت على كتفه .. ” يبدو عليك أنك أتيت لتجلب المتاعب لنا أيها الجرينجو .. فلقد قلبت السجن رأسًا على عقب عند مجيئك .. وكنت السبب في أن أقتل واحدًا من رجالي القدامى .. “.. شعر آدم بالاضطراب من كلام سيذر المفاجئ .. ولكن شعوره تبدَّل عندما رأى سيذر يضحك بشدة وهو يشير إليه بيديه .. “لا تقلق أيها الجرينجو .. إني أمزح معك فقط .. لقد أخبرني فرنناندو أنك تريد الخروج من السجن وتعود إلى أهلك مرةً أخرى”.. نظر آدم بحدةٍ إلى فرنناندو .. الذي طأطأ رأسه وحدَّثه بصوت منخفض ..” لا تقلق .. لا تقلق .. ” .. فنظر آدم إلى سيذر وابتسم ابتسامة صفراء وحدَّثه بلطف زائد .. “بالطبع .. إذا تكرَّمت يا سيد سيذر .. فأنا لا أحب المكوث في سجن لاسبانيتا .. وأتمنَّى أن تساعدني في الخروج من هنا .. ” .. ذهب سيذر إلى ثلاجة كبيرة في غرفته وأخرج زجاجة نبيذ فاخرة وفتحها، وبدأ يرتشف منها جرعاتٍ كبيرة، ثم تجشَّأ وضحك إلى آدم .. “إني لم أصدق الهراء الذي أخبرتني به من قبل عن سبب دخولك السجن هنا .. وأنا لا أهتم بالفعل لماذا أتيت إلى هنا .. أنا أعلم الآن .. أي إن كان السبب الذي أتيت من أجله .. فلقد حققته وتريد الخروج من لاسبانيتا .. حسنًا سوف أخرجك من هنا حسب رغبتك” .. فتهلل وجه فرنناندو وهو يخبر آدم بحديث سيذر، ولكن آدم لم يبدِ أي ردة فعل .. فشعر فرناندو بالإندهاش .. فتناول سيذر رشفة كبيرة أخرى من زجاجته .. وتابع حديثه ..”ولا تعتقد أني سأخرجك من هنا لأنك أخبرتني بخيانة ليبواردو .. بل تشفيًا في جوزبير .. سوف يُجنُّ عندما يعلم بخروجك من السجن ..” .. وظل يضحك بشدة .. فضحك آدم بتصنُّع، واقترب من سيذره وحدثه بلطف .. ” إذًا متى ستتعطف عليَّ وتخرجني من السجن؟ أنا أعلم أنه بكلمةٍ صغيرة من سيذر الجبار سوف أكون خارج هذا السجن في الحال” .. ارتشف سيذر من زجاجته ثم مسح بعض العرق من وجهه بملابسه .. “لا .. لن تخرج الآن .. سوف أخرجك بعد أسبوعين .. سوف أبعث بعض رجالي لإتمام صفقةٍ جديدة خارج السجن .. سوف تذهب معهم وتساعدهم .. وسوف أعتبر أنك ساهمت بنصيبك في هذه الصفقة مقابل خروجك من هنا .. ” اقترب من آدم وهزَّه بيده التي يحمل بها زجاجة النبيذ “هل اتفقنا أيها الجرينجو .. ” .. ابتسم له آدم وهو يهز رأسه ..”اتفقنا يا سيد سيذر .. اتفقنا .. ” .. فارتشف سيذر جرعة كبيرة من النبيذ ثم تجشَّأ في وجه آدم وأعطاه زجاجة النبيذ .. ” حسنًا أيها الجرينجو .. أنت ضيفي في تلك الفترة .. خُذ اشرب من ذلك النبيذ .. هذا النبيذ غالٍ للغاية .. بالرغم من طعمه السيئ فهو يجعل روحك .. تطير .. تطير .. تطير إلى الأعلى”
.. أبعد آدم زجاجة الخمر عنه متأفِّفًا .. “أشكرك للغاية سيد سيذر .. على لطف كرمك .. وأتمنَّى أن تتكرم عليَّ وتوافق على طلباتي التي بعثتها مع فرننادو .. ألم يخبرك؟” ..
****
ياترى ماذا سيحدث لآدم بداخل سجن لاسبانيتا أسواء سجن في العالم؟
✍️ اكتب ماذا تعتقد في التعليقات قبل أن تقرأ الحلقة التالية… حتى تقارن توقعاتك بما سيحدث بعد ذلك! 👇