تنبيه: كتاباتي قد تسبب إدمانًا!⚠️

الروايات تُنشر على حلقات – تابعنا يوميًا للحصول على جديد الحلقات!

الحلقة الأولى من الجزء الأول من العابث

(أنقذني يا أخي)

مَنْ لم يتملَّكه الغرور .. لم يَذُقْ طعم النجاح

(بلا حُدود)

في غرفة مظلمة واسعة .. جلس مراد على الأرض مرتعبًا فزعًا وبجواره جسدا صديقيه محمود وسعيد ممدان بجواره والدماء ما زالت تتساقط منهما .. ويراقب من بعيد أمامه صديقه الثالث تامر .. واقفًا على حافة سور الشُّرفة مُضطربًا مُتعرِّقًا ..     يتهادى ببطء على حافة سور الشرفة، وهو يحاول أن يحفظ توازنه بصعوبةٍ وهو يضع قدمًا تلو الأخرى بين فتحات صغيرة لا تكاد تسع قدمه بين صف طويل من الزجاج المحطم والبارز، موضوع بطول سور الشرفة أمامه وهو مطالب أن يصل إلى نهاية الشرفة دون أن تلمس قدمه أي قطعٍ من قطع ذك الزجاج المتناثر .. وقف مراد مُتحفِّزًا قلقًا عندما رأى صديقه تامر يقترب من نهاية سور الشرفة، وقد نجح في تخطي معظم قطع الزجاج، واقتربَ من النِّهاية .. فصرخَ به مراد وهو يُشجِّعه .. “ها قد اقتربتَ من النهاية .. هيَّا يا صديقي .. فقط خطوات قليلة بعد، وسوف تنجو .. سوف تنجو .. هيا يا تامر .. هيا يا صديقي ..”

نظر تامر إلى مراد وعلى وجهه ابتسامة أملٍ قد بعثها تحفيزُه له ..  وزادت ابتسامته أكثر .. عندما رأى مدى اقترابه من نهاية سور الشرفة .. ولكن اختفت تلك الابتسامة على الفور .. عندما رأى آخر جزء من الشرفة الذي لا يتعدى 40 سم تقريبًا وقد امتلأ كله بالزجاج المُحطَّم، ولا يوجد إلا مكان صغير للغاية فقط في نهاية تلك المساحة .. غير مُغطًّى بالزجاج .. نظر تامر إلى مراد وهو خائف مرتعب .. فاقتربَ منه مراد وهو يبتسم له ويشجعه .. “لا تخفْ يا صديقي .. لقد مررنا بما هو أسوأ من ذلك .. فلتقفز بدقةٍ من فوق هذا الزجاج المكسور .. وسوف تنجح .. أعدك سوف ننجح .. وننجو جميعًا”، هزَّ تامر رأسه لمراد بثقةٍ وهو يقوم بحساب المسافة التي سوف يقفز عليها من فوق الزجاج على سور الشرفة بدقة .. وظلَّ ينظر إلى الشارع أسفل منه وهو على ارتفاع عشرة طوابق بقلق .. ولكنه تذكَّر ما حدث لهم من قبل.. وكيف تخلصوا من اختبارات أصعب من ذلك بكثير ..

 فتنفس ببطء وابتلع ريقه .. ثم تقدم بثقة شديدة .. وقفز بقدمه اليُمنى بسرعةٍ أمامه وبارتفاع محسوب من على سور الشرفة ..

 قفزة طويلة تذكرك براقصي الباليرينا المشهورين وهم يتراقصون ويقفزون على أطراف أصابعهم بكل رشاقةٍ .. مع الفرق أنهم لم يكونوا مضطرين للقفز على حافة سور شُرفةٍ على ارتفاع عشرة طوابق  وما بين قطع زجاج محطم ..  مرت اللحظات القليلة التي قفز بها تامر فوق سور الشرفة كالدهر على مراد وهو يغلق عينه خائفًا .. من أن تتفلت قدم صديقه فيسقط ويكون شاهدًا على موته .. مثلما شاهَدَ أصدقاءه الآخرين يموتون أمامه ..  ظل مراد مُغلقًا عينيه .. لم يسمع في حينها صوت صراخ صديقه أو صوت ارتطام ضخم ..  ففتح عينيه مترقِّبًا .. ليجد صديقه يقف على قدمه اليسرى بأمان بعيدًا عن قطع الزجاج المحطم .. فهو  في المنطقة الآمنة بالضبط .. فرفع تامر ..يده اليُمنى وهو مبتسمٌ فرحٌ بنجاتِه .. فتهلَّل وجه مراد وظل يصرخ به فرحًا مُهنِّئًا: “لقد نجوت يا صديقي .. لقد نجوت”..  فجأةً أصدر هاتف المحمول نغمةً شهيرة تعبر عن الفوز .. فرفع تامر   هاتفه وهو ينظر إليه فرحًا ليجد رسالة على هاتفه مكتوبًا بها ..”مبارك، لقد أتممتَ لُعبتك بنجاح”، فوقف على قدميه فرحًا، وهو يهلل ويلوح بيدِه ويصرخ في مراد .. “لقد نجوت .. لقد نجوت يا صديقي” ..  ولكن حدثَ فجأةً أن رنَّ هاتفه مرةً أخرى .. فنظر تامر إلى شاشته، فوجد مكتوبًا عليها .. “لقد أتممت لُعبتك بنجاح .. ولكن بعد أن انتهى الوقت المحدد لها بثلاث ثوانٍ.. “

فنظر تامر الذي ما زال  يقف على الشرفة إلى مراد صديقه بذهول .. وهو يرفع ساعته .. ليراها مراد .. فوجد ساعته الرقمية متوقفة على 10 دقائق وثلاث ثوانٍ .. مراد أمسك رأسه مصدومًا .. وهو يتوقع ما سيحدث لصديقه تامر الذي سحب فجأةً من قدمه بسرعة شديدة على سور الشرفة .. فتمزق جسده بفعل قوة السحب الشديدة واحتكاكه بالزجاج المحطم المُثبت على الشُّرفة وهو يصرخ مُتألِّمًا .. فزعًا .. ليجد نفسه فجأةً رأسًا على عقب .. وهو مدفوع بالهواء يهوي من الطابق العاشر .. ثلاث ثوانٍ .. ثلاث ثوانٍ .. فقط هي ما جعلته يخسر في مهمته .. وهي أيضًا الوقت الذي استغرقه سقوطه من أعلى الشرفة إلى أن ارتطم بالأرض .. ليتهشم جسده .. وتختفي لمعة الحياة من عينيه وهو ينظر إلى صديقه مراد الذي يشاهده من أعلى وهو يفارق الحياة ..سقط مراد على الأرض مصدومًا مذهولًا .. من رؤية آخر أصدقائه وهو يُفارِقُ حياته بسبب ذلك الجنون الذي شاركوا فيه .. لم يلبث كثيرًا .. حتى رنَّ هاتفه المحمول برسالة .. رآها سريعًا .. فوجد مكتوبًا بها .. “لقد حان دورك الآن ..”..  ابتسم في يأس وهو يعلم أنه سوف يُلاقي مصير أصدقائه هو أيضًا .. ولكنه وقف فجأةً وتراجَعَ عدةً خطوات للخلف ليقف في وسط دماء صديقيه بداخل الغرفة .. فنظر إليهم وهو غاضب .. “لا .. لن ألقى مصيرهم جميعًا”، قالها وهو يركض إلى خارج البناية هاربًا .. ولم يترك أي شيءٍ خلفه غير الندم .. وعلامات حذائه الملطخة بالدماء تزين أرض البناية خلفه وهو يعدو كالظَّليم  .. هو يعلم أن هروبه شبه مستحيل .. لم ولن يستطيع أحد أن يهرب بحياته من قبل .. هو يعلم ذلك جيدًا ..  ولكنه قرَّر على الأقل أن يُخبر شخصًا ما عمَّا حدث لهم  .. رفع هاتفه المحمول وظل يضغط على أرقامه وهو يعدو هربًا ..  وهو يتمنى أن يستطيع النجاة لعدة دقائق فقط  .. ليخبر (آدم) .. أخاه الأكبر .. أن ينتقم لموته هو وأصدقائه .. هو يعلم أن ذلك شبه مستحيل .. ولكن أخاه الأكبر آدم مختلف .. قد يكون هو الوحيد الذي يستطيع أن يقف في وجهه .. الوحيد الذي يستطيع مواجهته .. نعم .. آدم .. هو الوحيد الذي يستطيع أن يقف في وجِه.

العــــــــــــــــــــــــــــــابث.

صفحة كوميكس للعابث من تصميم الرائع أسامة علي
صفحة كوميكس للعابث من تصميم الرائع أسامة علي

قبل ساعة من الآن .. في منزل مكون من دورين بنظام الدوبلكس في منطقة 6 أكتوبر  .. كانت تقام الحفلة السنوية .. التي تُقامُ احتفاءً بمرور 4 سنوات على إنشاء شركة المستقبل للتكنولوجيا والمعلومات (ش.م .ت .م) .. التي أنشأها  (آدم عاصم) .. وهو شاب وسيم في أوائل الثلاثينيات .. أبيض اللون .. له ملامح شرقية .. تزين وجهه لحية صغيرة مُنمقة ..  يرتدي نظَّارةً شفافة للزينة أكثر منها طبية .. يمتلك جسدًا ضخمًا ومتناسِقًا .. طوله 184 سم، ووزنه 95 كم  .. يرتدي بدلة كاملة فاخرة .. يمشي متهاديًا مفتخرًا بنفسه .. في وسط لفيف كبير من النساء والرجال من صفوة المجتمع .. الذي أصبح منهم في ظرف سنوات قليلة ..

يتنقل كالنحلة بين الزهور .. يحيي هذا ويتحدث مع هذا .. يُراقِص هذه .. ويجامل تلك .. لا يقف في مكانٍ واحد أكثر من 10 دقائق .. يترقب بعينه ويتأمل جميع الشخصيات الموجودة بمنزله الآن .. يشعر الفخر والزهو عندما يتذكر بعض هؤلاء عندما كان يراهم في التلفاز منذ سنوات قليلة .. ويتمنى أن يتقابل لحظاتٍ مع أحدهم ليساعده على أفكاره واختراعاته ..

ولكنهم الآن في منزله وبين يديه .. يتمنون لقاءه ومشاركته بعض أعماله .. ولكم كان يشعر بالزهو وهو يرى نظرات النساء حوله والفتيات وهنَّ يفترسنَه بأعينهنَّ .. وذلك ليس لوسامتِه وشبابه فقط ولكن لرصيده بالبنوك الذي تعدَّى ستة أصفار منذ وقت طويل .. وهو ما زال في ريعان شبابه .. حلم معظم الإناث .. شاب وسيم ولديه الكثير من الأموال .. فكان آدم يعلم هذا، ويتصرف معهنَّ من ذلك المنطلق .. لمحت عيناه فتاةً جميلة ترتدي فستانًا أحمر طويلًا للسهرة تقف مع والدتها .. وتركتها في الحال عندما لمحت ابتسامة آدم وهو ينظر لها .. فتوجهت إليه سريعًا وهي متأنقة متألقة مُغترَّة بجمالها الذي لا يوجد له مثيل في تلك الغرفة في ذلك الوقت، وعكس ما يحدث في الطبيعة دائمًا.. هي من بدأت بالحديث إليه .. “هل أستطيع أن آخذ من وقتك بضع دقائق .. يا أستاذ آدم؟”

نظر إليها غير مبالٍ .. ” لا بأس .. إن كانت بضع دقائق فقط.. “

شعرت الفتاة بالإحراج، ولكنها أكملت حديثها على مضض .. ” هل تتذكرني .. أنا كاميليا سالم .. التي قابلتك من قبل مع والدي أثناء مشروع الإسكان البيئي .. “

” نعم .. نعم لقد تذكرتك .. أنتِ ابنة المهندس سالم، لقد تذكرت الآن .. كيف حالك؟ ولماذا لم يحضر أبوكِ الحفل، لقد بعثت بدعوة له لكي يحضر”.

“للأسف لم يستطع الحضور لظروف خاصة به .. ولكنه قد بعثني أنا ووالدتي لكي نحضر الحفل بدلًا منه .. “

” حسنا لقد أنرتِ الحفل بوجودك أنتِ ووالدتك .. “

“شاكرة لك كثيرًا”.. مرت بعد ذلك عدة لحظات وبدأ آدم ينظر حوله بلا مبالاة .. وكاميليا واقفة بجواره دون أن يفتح أحاديث معها أو يُبدي لها اهتمامًا .. وبدأت تلمح نظرات الفتيات غريماتها ينظرن إليها وتعلو فوق وجوههن نظرات التشفي والفرح، وبدأت الأحاديث الجانبية تنتشر والأصوات تعلو .. فقررت كاميليا أن تتخذ خطوات أكثر جرأة مع آدم لتقطع الطريق أمام غريماتها من المنافسات الأخريات .. فحدثته بسرعة ولهفة “أنا .. لقد ابتعت كل منتجات الشركة التي أنتجتها .. دائمًا ما أكون في الصفوف الأولى لأبتاع منتجاتك .. لأني أريد أن أدعمك .. لأنك شابٌّ مجتهد .. وأنا فتاة من طبعي دائمًا أن أكون خلف أي شخص مجتهد وأدعمه”.

نظر لها آدم وابتسم وهو يهز رأسه “أشكرك .. أشكرك .. ” وعاد   ينظر أمامه وهو يرقب من طرف عينيه علامات الحسرة والضيق تعلو وجه كاميليا .. وجال بنظره إلى الفتيات في الحفل وهم يردن أن يلتهمنه بأعينهن .. وشعر بالثقة والغرور يمتلئ داخله فعبر عنهم بابتسامة رضا كبيرة علت وجهه .. ثم عادت كاميليا مرة أخرى بحديثها إليه .. فنظر إليها وأصغى إليها وابتسامته تعلو وجهه أكثر فأكثر .. فبادرت كاميليا بسؤاله بطريقةٍ مباشرة .. “لماذا لم تتزوج حتى الآن”.

فلمعت عين آدم في الحال لأنه كان ينتظر هذا السؤال من كاميليا منذ بداية حديثها .. فأجاب بسرعة وبدون تردُّد:

“لأني لم أجد من تستحق أن تتزوجني”، فنظرت إليه كاميليا نظرات باهتة وهي تشعر أن كلامه مس كرامتها فارتفع حاجبها ومططت شفتها العليا إلى اليمين قليلًا وتحدثت بحدةٍ: “كيف لم تجد مَنْ تستحق أن تتزوجك؟ ألا توجد امرأة أعجبتك في مصر كلها؟ .لماذا .. هل أترى نفسك تعلو فوق باقي البشر؟”

ابتسم آدم أكثر وهو يشعر بالفخر وهو يري كاميليا غاضبة ومحتدة .. “نعم أنا أعلو فوق باقي البشر .. لا تغضبي .. لا تشعري بالإهانة .. فلتضعي نفسك مكاني لحظاتٍ .. وتخيلي نفسك الآن .. آدم عاصم .. شاب في مقتبل حياته .. يسهم سنويًّا ب 0.3% من التكنولوجيا  الموجودة بالعالم كله .. يملك 203 براءة اختراع باسمه وباسم شركته التي صنعها من العدم، وأصبحت في ظرف سنوات قليلة من الشركات المعروفة في العالم كه .. فلتفكري الآن بالزواج .. مَن ستتزوجين؟  هل ستتزوجين من فتاة مشهورة لكي تحصلي على الشهرة .. لا.. فآدم عاصم لا يحتاج الشهرة .. هل ستتزوجين من أجل الأموال .. لا فهو عنده من الأموال الكثير التي تتزايد في كل دقيقة.. هل من أجل الجمال والشباب .. يستطيع بسهولة أن يحظى من ذلك بالمئات .. فأخبريني لماذا .. أتزوَّج .. ما سوف تضيفه أي امرأة إلى اسم آدم عاصم .. لن تضيف شيئًا .. مهما تكن مشهورة أو غنية أو جميلة .. أليس كذلك أيتها ..الجميلة؟!” نظرت له كاميليا لحظات ثم دفعته بيديها غاضبة وتركته وانصرفت وظل آدم يراقبها وهو مبتسمٌ.. مستمتعًا من رد فعلها .. فجأةً قطع لحظة استمتاعه تلك شابٌّ في عمره تقريبًا يقف أمامه وهو يرتدي ملابس الويتر المعتادة .. قميصًا أبيض وبنطلونًا أسود وببيونة سوداء حول رقبته ويحمل صينية فضية وعليها بعض أنواع الطعام .. وقف أمام آدم، ومَدَّ يده إليه وصافحه وهو يبتسم له ..”إني سعيد .. إني سعيد لمقابلتك يا أستاذ آدم”، فابتسم له آدم وصافحه هو الآخر.

“أهلًا .. أهلًا بك،”  قالها آدم وهو ينظر إليه مستغربًا .. لماذا توقف هذا الويتر عن عمله فجأةً في خدمة ضيوفه .. ووقف يصافحه .. ولكن جاءته الإجابة سريعًا عندما حدثه الشاب مرتبكًا .. “أنا .. أنا .. لست جرسون في الحقيقة يا دكتور آدم .. أنا قرأت كثيرًا عنك وعن أبحاثك .. وتقريبًا أصبحت ملمًّا بكل شيءٍ حولك .. “

هَزَّ آدم  رأسه بارتياب .. “أنت لست جرسونًا .. وملمٌّ بكل شيء  حولي .. إذًا مَن أنت؟”

الشاب وقف مرتبكًا .. وهو يحمل الصينية الفضية في يده ..” أنا .. أنا .. أنا آسف .. اعذرني.. لحظات ..”

ثم اتجه إلى المائدة بجواره ووضع عليها صينية الطعام .. وعاد مُسرعًا ومسح يديه في ملابسه، ووقف أمام آدم مرةً أخرى، ومدَّ يده ليصافحه مرة أخرى .. فصافحه آدم وهو متعجبٌ من أمره .. فتابع الشاب كلماته لآدم وهو سعيد .. “أنا .. الدكتور مازن توفيق .. حاصل على ماجستير ودكتوراه في الكيمياء الحيوية من جامعة عين شمس .. ولقد حاولت كثيرًا أن أُقابلك .. لأني أعلم أنك تقوم بتمويل البحوث العلمية في شتى المجالات .. وأردتُ أن أعرض عليك البحث العلمي الخاص بي .. ولكنك منشغل دائمًا .. ومختفي وبعيد المنال .. ولقد حاولت مرارًا أن أغتنم موعدًا معك فلم أستطع ولذلك .. قمتُ بالتنكر في زي جرسون وبدأتُ العمل في حفلتك تلك الليلة .. لكي أستطيع مقابلتك .. “

نظر مازن إلى وجه آدم قلقًا .. يحاول أن يستشفَّ منه رد فعله .. وهو يتوقع منه أنه سوف يغضب بشدة منه .. ولكنة ابتلع ريقه في الحال وهو يطمئن نفسه .. بأنه سوف يكون أدَّى ما عليه وحاول أن يحقق حلمه .. وليكن ما يكون ..  نظر آدم إلى مازن عدة لحظات مُتفرِّسًا ملامحه .. ثم أشار إليه بيده .. “فلتتبعني .. ” .. ثم تركه وصعد درجات السلم التي على يساره ليصعد إلى الطابق العلوي .. نظر مازن حوله في قلقٍ ثم اتبع آدم وصعد معه إلى الطابق العلوي الذي وجده يشبه الطابق الأول، ولكن به خمس غرف كبيرة، دخل آدم ثالث غرفة منها ودخل وراءه مازن ليجد مكتبةً كبيرة مليئة بالكتب والمراجع، وبعض القطع من الأجهزة والمنتجات التي أنتجتها شركة آدم .. ومكتب ضخم كبير، وأمامه جهاز صغير يشبه التلفاز .. فجلس آدم إلى المكتب، وطلب من مازن أن يجلس أمامه .. فجلس في الحال .. فابتسم آدم وهو يحدثه .. “لقد تركت الحفلة الخاصة بي من أجلك يا مازن .. فلتطلعني على ما بجَعبتك .. وأتمنى أن يكون شيئًا شائقًا ومُثمرًا .. “

فابتسم مازن وشعر بالفرح الشديد .. “هل .. هل ستترك حفلتك وتستمع إلى بحثي الآن يا دكتور آدم .. ؟”

نظر إليه آدم متعجبًا .. ” هذا ما فعلته الآن .. هيَّا أخبرني ما تريد .. فأنت تعلم أن الوقت من ذهب .. وإذا كنت قرأت عني كما قلت من قبل .. فلا داعي لكي أخبرك كم أنا منشغل بأعمالي ..”

هزَّ مازن رأسه فرحًا ..” أعلم، أعلم يا سيدي .. لكن قبل أن أبدأ في طرح بحثي .. أريد أن أسألك سؤالًا شخصيًّا خاصًّا بك .. قد أرَّقني كثيرًا، ولم أجد له تفسيرًا .. وأتمنَّى أن تشرحه لي .. “

أمسك آدم ذقنَه بفضول وهو يُداعبها .. “ما سؤالك .. ما الشيء الذي فعلته وشغل بالك لدرجه أنه يؤرقك .. “

” حسنًا .. سؤالي هو: كيف تركت معهد ماساتشوستس  –MIT  .. إنه حُلم كل باحثٍ وعالمٍ أن يدرس به؟! فإن معهد ماساتشوستس للتقنية .. مُصنَّف على أنه من بين أعلى مئتي جامعة بالعالم، ويدرس بين أعضاء هيئة تدريسه 64 عالمًا حاصلين على جائزة نوبل في مختلف العلوم والمجالات  .. وأنا لن أسألك عن كيف استطعت الالتحاق به مع أنه شيء صعب للغاية .. ولكن الأدهى من ذلك أنك تركت الدراسة به .. “

ضحك آدم بصوتٍ عالٍ أثار حيرة مازن .. ثم حدثه بهدوء .. ” هل هذا هو ما يؤرقك يا صديقي .. حسنًا .. سوف أخبرك .. لقد تركتُ معهد ماساتشوستس لعدة أسباب .. أهمها .. تعالي بعض هيئة أعضاء التدريس على الطلبة وأنا منهم بالطبع .. وهذا ما لا أستطيع أن أتحمله .. ثانيًا حالتي المادية في ذلك الوقت .. فتركت المعهد بعد أول سنة .. واتجهتُ إلى معهدٍ آخر في نظري هو أفضل وأحسن منه .. وهو المعهد الهندي للتكنولوجيا في البنجاب  – EIT  ..وهو واحد من خمسة عشر معهدًا تكنولوجيًّا موجودًا بالهند .. وتلك المعاهد هي التي صنعت الثورة التكنولوجية في الهند الآن .. لقد وجدت في ذلك المعهد العلم الذي أريدُه، وأحدث الأبحاث والتطبيقات الموجودة بالعالم ..  تلك المعاهد لا تقلُّ بحال من الأحوال عن معهد ماساتشوستس .. إن لم تكن أفضل منه .. ولماذا درست في مقاطعة البنجاب بالذات؟ لأشياء كثيرة خاصه بي منها ..الأموال والطقوس الدينية والمساحة وعدة أشياء أخرى .. ولقد اكتسبت من تلك التجربة الكثير والكثير .. وكانت أحد أسباب ما قد وصلت إليه في تلك المرحلة .. حسنًا فلتدعك مني الآن .. ولتحدثني عن بحثك .. وأنا على أتم الاستعداد في تمويله مباشرةً من الآن .. بعدة شروط .. أهمها أن يكون قابلًا للتطبيق على أرض الواقع”.

اعتدل مازن في جلسته وهو فرح للغاية .. ” لا تقلق .. لا تقلق .. إنه قابل للتطبيق وبدأتُ به بالفعل  .. ولكن ينقصه التمويل، إن بحثي العلمي هو عن توفير علاج لواحد من أخطر الأمراض التي عرفتها البشرية .. إلا وهو مرض السرطان .. “

آدم ترقَّب حديثه وهو يهز رأسه باهتمام ..  فعاود مازن حديثه وهو ممتلئ بالحيوية والنشاط ..

“والسرطان في عجالة سريعة هو مرض ناتج عن نمو غير منتظم للخلايا .. حيث تنقسم الخلايا وتنمو دون أي سيطرة عليها .. فتشكل ورمًا خبيثًا، ثم تغزو الأنسجة المجاورة لها .. وللسرطان أكثر من 200 نوع .. تتشابه في النشاءة .. وتختلف في أماكنها وتوزيعها ..  نأتي لذكر أهم جزء في حديثنا عن السرطان .. وهو الجزء الخاص بالعلاج .. فعلاج السرطان شهد طرقًا كثيرةً منها ..

العلاج الجراحي: وذلك عن طريق إزالة الورم من الجسد قبل أن ينتشر في سائر الجسد .. ولكنه إذا انتشر يصبح من المستحيل التدخل الجراحي حينها ..

العلاج بالأشعة: حيث يدمر العلاج الإشعاعي السرطان بتسليط أشعة جاما ذات الطاقة العالية على الخلايا السرطانية مما يخرب الجزيئات التي تشكل الخلايا السرطانية ويقودها إلى الموت الذاتي ولكنه يعيبه أنه يترك آثارًا جانبية شديدة لأن حزم الأشعة ستُدمر أيضًا الخلايا السليمة.

العلاج الكيميائي: وفيه يتم استخدام المواد الكيميائية لتوقف عملية انقسام الخلايا عبر تخريب بروتيناتها أو DNA  الخاصة بها مما يدفعها للموت الذاتي أيضًا، ولكن له الكثير والكثير من الآثار الجانبية كفقد الشعر والغثيان والتعب والآلام الشديدة المصاحبة لعملية العلاج.

العلاج الهرموني: وهنا يتم استخدام التغير في مستويات إنتاج الهرومان في الجسم ولكنه .. أيضًا له العديد من الأضرار والآثار الجانبية .. ولم يتبقَّ إلا العلاج المناعي .. الذي يتم فيه العلاج عن طريق تقوية الجهاز المناعي للإنسان بتركيز قوي وشديد جدًّا في أماكن العضو المصاب بالسرطان .. وهذا ما نويتُ أن أقوم بتطبيق أبحاثي عليه ..  حيث بحثي قائم عن طريق تقديم المعاملات الك…”

أوقف آدم حديث مازن  فجأةً ببضع كلماته قالها بصوتٍ عالٍ..”إليكتريك فايكلز” فتوقف مازن عن الحديث .. ونظر إليه مستغربًا فتابع آدم حديثه “إليكتريك فايكلز  .. إليكتريك كارز .. السيارات الكهربائية .. سمعت عنها من قبل، أليس كذلك؟!”

فهز مازن رأسه مصدقًا لي كلامه .. “نعم السيارات الكهربائية لقد سمعت عنها بالطبع”.

تابع آدم حديثه إلى مازن .. “عندما كنت في معهد ماساتشوستس .. أخبروني بقصة طريفة .. حيث قد قرر بعض تلاميذ المعهد بتصنيع السيارات الكهربائية  .. وجعلها في متناول أيدي الجميع لما لدي السيارة الكهربائية من مميزات كثيرة، أهمها الحفاظ على البيئة واستخدام الطاقة النظيفة والمتجددة .. ووضعوا سقفًا زمنيًّا لتلك العملية ..عشر سنوات  .. في غضون عشر سنوات فقط سوف تغزو السيارات الكهربائية جميع العالم .. ويصبح لدى الجميع سيارة كهربائية آمنة ونظيفة .. خطة رائعة ومتميزة بالفعل وسهل تطبيقها في خلال العشر سنوات  القادمة  .. أتعلم متى بدأ الطلاب في تنفيذ تلك الخطة .. عام 1972  .. لم يمر فقط عشر سنوات على خطتهم .. بل مر أكثر من 45 عامًا .. ولم يتم تنفيذ مشروع انتشار السيارة الكهربائية .. تعتقد لماذا..؟”

نظر إليه مازن متعجبًا .. ” هل كانت التقنية صعبة لهم .. “

هَزَّ آدم رأسه نافيًا .. ” على العكس .. فهناك الكثير من التطبيقات لتلك السيارة .. وأسهلها أن يتم استبدال المحرك الأصلي للسيارة ووضع محرك كهربائي مكانه .. وهذه أسهل طريقة لتحويل  السيارة من العمل بالوقود البترولي إلى الكهرباء والحفاظ على مكونات السيارة دون تغيير .. ولن ينتج عن ذلك أيُّ مشكلات أو تلوث للبيئة ..  حتى ولو كان ذلك عائقًا في الماضي .. أصبح في  منتهى السهولة الآن .. إذًا لماذا لم تنتشر السيارات الكهربائية .. “

هز مازن كتفيه مستسلمًا .. “لا أعلم لماذا .. “

” حسنًا سأخبرك .. لوجود شركات النفط العملاقة .. التي أصبحت متحكمة في معظم القوانين والتشريعات بالدول الكبرى والتي بدورها تقضي علي أي فكرة أو تطبيق يجعلهم يخسرون استثماراتهم .. حتى ولو كان ذلك المشروع الأفضل للبيئة والبشرية  بأكملها .. كالسيارات الكهربائية ..”

حدثه مازن بحيرة شديدة .. ” وما دخل ذلك بحديثنا يا سيد آدم .. لم أفهم منطقك .. “

هبَّ آدم واقفًا من مكانه وتقدَّم جهة مازن الذي هبَّ واقفًا هو الآخر احترامًا له ..  وبدأ آدم يتابع حديثه وهو يتهادى في الغرفة ذهابًا وإيابًا ..

 .. “أيُّ تقدُّمٍ في أيِّ مجال في ذلك العالم يرجع لوجود دافع وراءه .. وينقسم هذا الدافع إلى قسمين .. دافع داخلي .. ودافع خارجي .. فلننظر مثلًا إلى شخص بدين .. يأكل بشراهة شديدة .. سقط يومًا مريضًا بسبب السمنة المفرطة .. ووجد أنه سوف يموت إن لم يُنقِص وزنه .. وبالفعل قام بإنقاص وزنه .. وهنا حقَّق هدفه وهو خسارة الوزن عن طريق الدافع الداخلي لديه، وهو أن ينقذ نفسه من الموت .. ولكن لنفرض أنه لم يمرض مثلًا .. ولكنه أعجب بفتاةٍ نحيفة وجميلة .. فسوف يبدأ بعلاج نفسه من السمنة لكي تعجب الفتاة النحيفة بجسده .. وبالفعل يصبح نحيفًا.. ويتخلص من السمنة ولكن ذلك ليس برغبة من داخله  . فلا يوجد هنا دافع داخلي .. بل من أجل الفتاة .. من أجل دافع خارجي .. ولكن سواء إذا كان الدافع داخليًّا أم خارجيًّا فهناك دافع قد جعله يحقق هدفه .. وفي حالتك أنت أعتقد أنك درست الكيمياء الحيوية .. وبدأت دراستك والبحث عن العلاج للسرطان بسبب دافع داخلي .. هل والدتك أو والدك مريض بالسرطان .. “

يحدثه مازن بأسًى .. “أختي الصغيرة .. عمرها سبعة عشر ربيعًا .. وتتألم بشدة من ذلك المرض اللعين .. “

توقف آدم عن الحركة وهو يبستم لمازن .. “أرأيت .. هذا هو دافعك للبحث عن علاج السرطان .. هذا هو الدافع الداخلي لديك .. وكما ترى أنا لست مصابًا به أو أُصيب أحد أقاربي .. إذًا أنا ليس لديَّ دافع داخلي لتحقيق هذا الهدف .. إذًا لماذا أموِّل بحثك ..؟”

بدأ مازن يتعرَّق ويرتبك وهو يفكر في حل نظرًا للتغير في مجريات الحديث لدى آدم ..  فابتلع ريقَه وهو يشير إليه بسبابته ..

“سوف أخبرك يا سيد آدم .. إذا لم يكن لك دافع داخلي يدفعك لتمويل بحثي .. فأنت بالتأكيد لك دافع خارجي .. وهو أن يكون لك الفضل والشهرة بأنك أول من ساعد في القضاء على هذا المرض اللعين .. سوف يشار إليك بالبنان في العالم كله.. “

ابتسم آدم بسخرية .. ” وهل تراني أحتاج إلى شهرة .. فأنا بالفعل يٌشار إليَّ بالبَنان .. أنا لا تعنيني الشُّهرة في شيءٍ .. أنا تعنيني الأموال .. كم سيكلف تمويل بحثك تقريبًا ..”

نظر إليه مازن مترددًا .. ثم أخرج ورقة من جيب بنطاله وفردها بين يديه وتقدَّم جهة آدم ليريه إيَّاها .. ” حسنًا .. ليس الكثير، ليس الكثير .. “

تجاهل آدم الورقة التي في يده، ونظر إلى مازن في عينيه .. “كم سيكلف بحثك؟ وكم سيستغرق من وقت لتطبيقه على الواقع؟”

ابتلع مازن ريقه بصعوبة وبدأت حبات العرق تغزو جبينه وتلعثم وهو يتحدث .. “حسنًا .. سيكلف قرابة الثلاثين مليون دولار وسيستغرق تطبيقه قُرابة الخمس سنوات .. “

” إذًا تريدُني .. أن أدفع ثلاثين مليونًا في تطبيق بحث علمي وحدك أنت .. مَن يُقِرُّ بجدوته .. في مدة خمس سنوات .. هذا إذا كان تقديرك الوقتي صحيحًا .. وأنا عن تجربة أشكُّ في ذلك .. لأن جميع الباحثين الذين عملت معهم قالوا لي ذلك من قبل ولم يحدث”.

حدَّثه مازن بثقة .. “أنا واثق بما أقوله .. وتستطيع أن تسأل أيَّ متخصص عن جدوى تطبيق بحثي .. وسوف يتأكد لك صحة حديثي .. ومن الوقت الزمني المحدد له .. “

“أتريد أن تقنعني .. أنك ستكتشف علاجًا لهذا المرض الذي بدأ الإنسان في محاربته منذ القرن التاسع عشر إلى الآن، ولم يستطع أن يهزمه  .. وأنت سوف تجد علاجًا له في ظرف خمس سنوات فقط”.

بثقة شديدة .. ” نعم .. نعم .. أستطيع أن أُنهي على هذا المرض اللعين في ظل خمس سنوات .. فأنت تعلم بالتأكيد أن العلم الآن أصبح متقدِّمًا جدًّا .. وأصبح العلماء قادرين على التغلُّب على أيِّ تحدٍّ .. وفترة الخمس سنوات تكفي وتزيد .. فلتنظر إلى الخمس سنوات الأخيرة ماذا استطاع أن يفعل العلم .. لقد ذهبنا إلى المريخ .. وذهبنا إلى بلوتو .. استطعنا صناعة الإنسان الآلي .. والطائرة بدون طيار أصبحت في متناول الأطفال .. قضينا على مرض أنفلونزا  الطيور والخنازير .. تم رفع سرعة الإنترنت 1000 مرة في غضون خمسة أعوام .. نعم أستطيع أن أقضي على المرض خلال خمس سنوات.. “

آدم ابتسم بسخرية .. “إن ما تستشهد به ضدك وليس في صالحك .. فعلى حسب كلامك .. إن التكنولوجيا سوف تصبح أكثر تطوُّرًا خلال الأعوام الخمسة القادمة  .. فما يدريك أنه بالفعل لن يتوصل شخص آخر لعلاج السرطان .. ويصبح المال والمجهود الذي بذلناه في أدراج الرياح .. هل تستطيع أن تؤكِّد لي أن ذلك لن يحدث .. في حين أني أستطيع أن أموال أكثر من بحث بذلك المبلغ نفسه ولفترات زمنية أقصر .. وبعامل خطورةٍ أقل .. “

نظر إليه مازن متحيرًا لا يعلم كيف يحدثه أو يُقنعه .. فهزَّ آدم راسه له بهدوء وهو يحدثه ..”آسف يا صديقي .. أنا غير مهتمٍّ.” 

فطأطأ مازن رأسه بحزن .. فرفع آدم سبابته أمامه .. ” ولكن .. “

فرفع مازن رأسه فرحًا مُتهلِّلًا .. وظَلَّ يُراقِب آدم وهو يتجه إلى مكتبه ويفتح أحد أدراجه ويخرج دفتر شيكاته .. وكتب عليه مبلغًا نقديًّا ومزقه من الدفتر وتقدَّم إلى مازن وأعطاه إياه .. “أنا سوف أشارك بمبلغ عشرة آلاف دولار منحةً مني في بحثك .. وذلك ليس بسبب اقتناعي بجدوى بحثك .. ولكني لقد أعجبت بطريقة تسلُّلِك إلى الحفلة لمقابلتي .. لقد رأيت بك إصرارًا شديدًا، وسعيًّا لتحقيق هدفك .. وهذا ما أحبُّ أن أراه دائمًا لدى الشباب المصري  .. “

نظر له مازن بأسًى شديد وحدثه كمن سيبكي .. “أنت بذلك ستقضي على أمل الملايين من البشر حول العالم .. أنا مُستعدٌّ أن أتنازل عن جميع حقوقي المادية والأدبية لك .. وتستطيع أنت تأخذ الشهرة والمجد على البحث بأكمله .. أنا أريد فقط أن اساعد هؤلاء المرضى التعيسين .. “

لوَّح آدم بالشيك في يده أمام مازن .. ” .. كما أخبرتك .. أنا لا أبحث عن الشهرة والمجد … لأني حققتهم بالفعل ..وأنت لا تريد مساعدة ملايين  المرضى الغرباء  في أنحاء العالم كما تدعي .. بل تريد مساعدة أختك الصغيرة .. وأعتقد أن المبلغ الذي أعطيتك إيَّاه الآن سيساعد في ذلك .. “

نظر له مازن بعينين مغرورقتين بالدموع .. “للأسف كنت أعتقدك من البشر .. كنتَ لي المثل الأعلى .. كنتُ أريد أن أتبع خطواتك وأحقق النجاح لي ولوطني .. كنتُ أعتقد أنك تمول أبحاث الشباب مثلي حبًّا في العلم ومساعدة للأخرين .. وليس لتحقيق أطنان من الأموال ..”  وقف أمامه مازن لحظات فتفلتت منه دمعةٌ سقطت على وجنته، فمسحها سريعًا وهو يخرج مبتعدًا من أمام آدم وهو يحمل صدمته وخيبة أمله فوق كتفة .. تنهَّد آدم وهو يشاهد مازن منصرفًا .. فمزَّق الشيك الذي بيده بلا مبالاةٍ وهو يحدث نفسه .. “هذا الأحمق يبكي .. هل كان سيظنُّ أن جميع مشكلاته ستحل بمجرد أنه طبيب ارتدى ملابس الخدم وتسلَّل إلى الحفل .. هل يعتقد أن هذا العالم بتلك السهولة .. إنه لم يُلاقِ جزءًا صغيرًا من الصعوبات التي لاقيتُها في بداية حياتي .. حتى وصلت إلا ما أنا عليه الآن .. هؤلاء الحمقى ..”

آدم عاصم مع مازن
آدم عاصم مع مازن

هَزَّ رأسه متعجبًا وهو يستعد لمغادرة مكتبته ويعود إلى الحفل .. لكنه توقَّف فجأةً عندما سمع صوتَ رنة هاتفه المميزة ترن بقوة وبصخب .. فوضع يده في جيبه ببطء وأخرج هاتفه متأفِّفًا .. “مَن هذا أيضًا .. ؟”

جاءته الإجابة سريعًا عندما وجد اسم أخيه الأصغر (مراد) يُومِض على شاشة الهاتف .. فنظر الي هاتفه مبتسمًا ..

“ماذا تريد يا مراد؟ أتريد أموالًا أخرى أيها الشقي؟!”

وضع الهاتف على اذنه وهو يضحك .. “مراد الصغير .. كيف حالك أيها الشقي؟” التقطت أذنه صوت أخيه وهو يبدو عليه الهلع الشديد والضعف الشديد .. ” فلتنجدني يا آدم .. لقد قتلهم .. قتلهم جميعًا .. ويريد أن يقتلني أنا أيضًا .. لم أُنهِ تلك اللعبة .. ”  لم يفهم  آدم ماذا قال مراد أو ماذا يحدث، ولكنه كان يشعر بالقلق من نبرة صوت أخيه وصوت أنفاسه المتقطعة التي كان تظهر له بأنه يركض .. فصرخ به قلقًا .. “ألو .. مراد .. مراد .. أين أنت وماذا يحدث عندك .. ولماذا تركض هكذا؟”

سَمِعَ صوتَ أخيه يُحدِّثُه بخوف شديد .. “إنه يقترب مني يا آدم .. على الرغم من هروبي .. لقد وجدني .. سوف يقتلني .. لم أكملْ لُعبته .. انتقم منه يا آدم .. انتقم منه ..  “

صرخ  آدم بالهاتف بشدةٍ وبقلق .. “مَن الذي سيقتلك .. من يا مراد .. أين أنت الآن .. لا تخفْ سوف آتي إليك في الحال”.

سَمِعَ صوتَ أخيه يلهث بسرعة شديدة ويحدثه بهمسٍ .. “انتقم لي .. انتقم لي يا آدم .. إنه سيقتلني الآن .. “

“مَنْ يا مراد .. مَنْ هذا الذي يطاردك .. أخبرني من هو .. أخبرني الآن .. “

“إنه العابث .. إنه العابث يا آدم .. انتقم لي من العابث .. ” .. واختفى فجأةً صوتُ مراد من الهاتف ..  فصرخَ آدم به: “مراد .. مراد ..  أين أنت يا مراد؟ مَن العابث هذا؟ مراد فلتجِبْني يا مراد .. فلتجبني يا أخي .. ”  

فجأةً سَمِعَ آدم صوتَ شخص يتنفس بصوت ثقيل للغاية في الهاتف .. فألصقَ الهاتف على أذنه بقوة وصرخ به .. “مَنْ أنت؟ من أنت؟ أين ذهب أخي الصغير؟ أين مراد؟ إذا حدث مكروه صغير له .. سوف أقضي عليك وعلى جميع أفراد عائلتك بالكامل .. هل تسمعني؟ سوف أقتلُك وأقتلُ جميع عائلتك .. إذا نقص ظُفرٌ صغير من يد أخي الصغير .. سأقتلك”.

صوت ضحكات غريبة في الهاتف .. صوت ثقيل وغريب .. صوت أشبه بصوت الغرغرة  من أسفل الماء .. “أأنت .. سوف .. تقتلني .. هههههههه .. ههههههههههه .. أنت ستقتلني .. “

شعر آدم فجأةً بالخوف والقلق الشديد .. فتحدث بهدوء وصوت منخفضٍ قليلًا .. “أنت أيًّا كنتَ .. هل ما زال اخي الصغير على قيد الحياة؟ هل آذيته؟” سَمِعَ صوت الشخص الآخر يجيبه بصوته الغريب .. ” لا .. لم يتأذَّ بعدُ ..”

وضع آدم يدَه على قلبه وتنهَّد في ارتياحٍ .. ” الحمد لله .. ” فوجد الصوت يحدثه بضحك .. “ولكنه سوف يموت الآن  .. “

فصرخ به آدم .. “لا .. لا .. اسمعني أيًّا ما فعله مراد .. فسوف أُعوِّضك عنه .. أي شيء تريده سوف أعطيك إيَّاه .. هل تريد مالًا؟  هل تريد ذهبًا؟ ألماسًا؟ أي شيءٍ تريده سوف أعطيك إيَّاه .. أي شيء فعله مراد سأُعوِّضك عنه .. “

فسمع الصوتَ يضحك .. “أنا لا أريد مالًا أو ذهبًا أو فِضةً .. أنا أريد أن أقتله .. “

شعر آدم بالغضب الشديد، ولكنه كظم غيظه، وحاول أن يُحدِّثه بهدوء .. “انتظرْ .. انتظرْ أرجوك .. فلتخبرني .. إذا لم تُرِدْ ذهبًا أو مالًا .. إذًا ماذا تريد؟ لماذا تريد أن تقتل مراد؟ لماذا؟”

أجابت الصوت بغضب .. “لأنه لم يكمل لعبته .. وهذا معناه الموت الأكيد ..” عَقَدَ آدم حاجبيه مندهشًا .. “لُعبة .. أتريد أن تقتله من أجل لعبةٍ ..أأنت مجنون؟”

فجاوبه الصوت بضحكة غريبة مصاحبة لصوت أغرب .. “هههههههه .. أنا لستُ مجنونًا .. أنا العابث .. واخيك لم يكمل لعبة معي .. فوجب عليه أن يموت الآن .. ” تأكد آدم في تلك اللحظة أن مراد موجود بين يدي شخص مجنون بالفعل وحاول أن يُسايره على عقله ليخرجه من ذلك المأزق .. ” حسنًا .. حسنًا .. اترك مراد الآن .. وأعدك أني سوف ألعب معك بدلًا منه .. أرجوك اترك مراد الآن .. وسوف ألعب معك ما تريد من ألعاب .. سوف أُنفِّذ لك أي شيءٍ ولكن اتركه”، استمع آدم للصوت وهو يصدر شيئًا مثل الفحيح ثم حدثه بكلماتٍ سريعًا .. “لقد سمعت أخاك الصغير يصرخ باسمك وهو يهرب مني.. ويخبرني أن أخاه الأكبر سوف ينتقم له .. هل تستطيع أن تنتقم له عندما أقتُلَ أخاك .. ههههههههه .. هل تستطيع؟”

حاول آدم أن يكظم غيظه الشديد وتنفَّس ببطء  ..”أرجوك .. لقد أخبرتُك أني سوف أفعل أي شيءٍ .. لقد أخبرتُك أني سألعب  معك بدلًا منه .. ألستَ تحبُّ الألعاب؟! ألستَ أنت العابث؟ إني أتحداك في أي لعبةٍ تُريدها .. في مقابل أن تترك أخي الصغير .. ” .. صمت الصوت لحظاتٍ أسقطت قلب آدم في قدمه .. ثم عاد يُحدِّثُه بضحك:

“هههههههههههه.. حسنًا .. سوف أُغيِّر قواعد اللعبة قليلًا .. سوف أجعلك تلعب معي بدلًا من أخيك الصغير .. لعلك تكون أكثر إمتاعًا منه، فلقد كان مملًّا هو وأصدقاؤه بشدة .. وأنا أكرهُ المَلَل .. وأحب اللَّعب .. سوف أعيد أخاك الآن إلى بيته سالمًا .. وسأُشرِكك بدلًا منه .. سوف تلعب معي .. وإذا خسرتَ ستموت وسأقتُل أخاك الصغير .. وإذا هربت من اللعبة .. سأقتلك، ثم سأقتل أخاك الصغير .. هل اتفقنا؟”

آدم هز رأسه فرحًا .. ” حسنًا .. حسنًا .. أنا موافق على أي شيءٍ تطلبه .. اترك مراد الآن .. أرجوك .. “

أتى الصوتُ مُسرعًا .. “لقد تركت أخاك كما اتفقنا .. سوف تجده في منزل والدتك .. تستطيع أن تحدثها بعد أن أنتهي من محادثتك .. سوف أقوم بالاتصال بك الأسبوع القادم .. سوف أخبرك بقوانين اللعبة الجديدة وشروطها .. وتذكَّر دائمًا ..

” .. لا تعبثْ مع العابث  .. لا تعبثْ مع العابث  .. “

 ثم انقطعت المكالمة فجأةً .. فسقط آدم على ركبتيه ليلتقط أنفاسه .. ثم تذكَّر أخاه مراد .. فضغط على رقمه فوجد صوت جرس الهاتف يرن لعدة لحظاتٍ، ثم سمع صوت سيدةٍ كبيرة على الجهة الأخرى .. “السلام عليكم .. كيف حالك يا آدم؟ كيف حالك يا بني؟” .. اندهش آدم بشدة عندما وجد أمَّه تحدثه على هاتف أخيه الذي كان يحدثُ عليه العابث منذ ثوانٍ .. فصرخ بها: “أمي .. أمي .. كيف تتحدثين من هاتف مراد .. ؟”

ما الذي حدث بالضبط؟ وكيف استطاعت والدة آدم الحديث من هاتف مراد؟

✍️ اكتب ماذا تعتقد في التعليقات قبل أن تقرأ الحلقة التالية… حتى تقارن توقعاتك فيما بعد بما سيحدث! 👇

4.4 5 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest

0 تعليقات
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
زر الذهاب إلى الأعلى
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x