الحلقة الثانية من الجزء الأول من العابث
مَنْ لم يتملَّكه الغرور .. لم يَذُقْ طعم النجاح
(ماذا يحدث بالضبط ؟)
حسنًا .. سوف أُغيِّر قواعد اللعبة قليلًا .. سوف أجعلك تلعب معي بدلًا من أخيك الصغير .. لعلك تكون أكثر إمتاعًا منه، فلقد كان مملًّا هو وأصدقاؤه بشدة .. وأنا أكرهُ المَلَل .. وأحب اللَّعب .. سوف أعيد أخاك الآن إلى بيته سالمًا .. وسأُشرِكك بدلًا منه .. سوف تلعب معي .. وإذا خسرتَ ستموت وسأقتُل أخاك الصغير .. وإذا هربت من اللعبة .. سأقتلك، ثم سأقتل أخاك الصغير .. هل اتفقنا؟”
آدم هز رأسه فرحًا .. ” حسنًا .. حسنًا .. أنا موافق على أي شيءٍ تطلبه .. اترك مراد الآن .. أرجوك .. “
أتى الصوتُ مُسرعًا .. “لقد تركت أخاك كما اتفقنا .. سوف تجده في منزل والدتك .. تستطيع أن تحدثها بعد أن أنتهي من محادثتك .. سوف أقوم بالاتصال بك الأسبوع القادم .. سوف أخبرك بقوانين اللعبة الجديدة وشروطها .. وتذكَّر دائمًا ..
” .. لا تعبثْ مع العابث .. لا تعبثْ مع العابث .. “
ثم انقطعت المكالمة فجأةً .. فسقط آدم على ركبتيه ليلتقط أنفاسه .. ثم تذكَّر أخاه مراد .. فضغط على رقمه فوجد صوت جرس الهاتف يرن لعدة لحظاتٍ، ثم سمع صوت سيدةٍ كبيرة على الجهة الأخرى .. “السلام عليكم .. كيف حالك يا آدم؟ كيف حالك يا بني؟” .. اندهش آدم بشدة عندما وجد أمَّه تحدثه على هاتف أخيه الذي كان يحدثُ عليه العابث منذ ثوانٍ .. فصرخ بها: “أمي .. أمي .. كيف تتحدثين من هاتف مراد .. ؟”
“لقد أتى منذ قليل إلى المنزل وهو تعب وترك هاتفه معي ودخل إلى غرفته ينام قليلًا .. وأنتَ اتصلت به فرددتُ على مكالمتِك” .. شعر آدم بالارتياب الشديد .. كيف ذهب مراد أخوه إلى منزل أمِّه وهو كان مختطفًا منذ قليل .. ثم هل هذه أمه بالفعل .. ولكنه صوت أمِّه .. كيف لن يعلمه .. ولكنه أراد أن يقطع الشكَّ باليقين، فحدَّثها بهدوء .. “حسنًا يا أمي فلتفتحي كاميرا الهاتف الأمامية لأراكِ لأنك .. أوحشتني بشدة ..” .. فسمع صوت والدته تبتسمُ: “أنت أيضًا لقد أوحشتني يا آدم .. ومنعك العمل من أن تتواصل معي كما كنتَ من قبل ..” لحظات ثم وجد صورة أمه على هاتفه بجودة ضعيفة ولكنها ظاهرة .. هي بالفعل أمه وهي تحدثه من منزلها .. ولكن كيف ومتى .. فحدثها مرةً أخرى .. “أريدك يا أمي أن تذهبي إلى غرفة مراد وأن تصوريه على الهاتف الآن .. “
“ماذا تقول يا آدم .. إن أخاك نائم الآن .. فلتحدثه عندما يستيقظ ..” فصرخ آدم فيها بحدة .. “أرجوكِ يا أمي .. فلتفعلي ما أطلبُ منكِ الآن .. ” .. فرأى والدته تهزُّ رأسها.. “حاضر يا حبيبي..” ثم امتثلت إلى أمره وصعدت إلى غرفة مراد وصورته وهو نائم علي سريره بعمق .. وحاولت أن تجعله يستيقظ فحدثها وهو نائم بأن تتركه يستريح .. فنظرت أمه إلى الهاتف وتحدَّثت إلى آدم بالكاميرا .. ” أرأيت؟ ألم أخبرك أنه سيصرخ بي إن أيقظته؟” ابتسم لها آدم على مضمض: “شكرًا .. شكرًا يا أمي .. ” ثم أغلق الهاتف سريعًا .. وهو يمسك رأسه حائرًا .. ماذا يحدث؟ كيف استطاع أن يذهب إلى المنزل ويغطَّ في النوم في لحظات قليلة؟ وكيف ينام أصلًا إذا كان ما حدث له حقيقيًّا؟ إذًا لا يوجد تفسير منطقي إلا شيءٌ واحد .. إنها خدعة .. نعم خدعة من مراد وأصدقائه مثلما يفعلون دائمًا .. ولكنهم في هذه الحالة قد تمادوا كثيرًا .. حسنًا، سوف أقوم” قطع حبل تفكير آدم أحد المدعوين وهو يصرخ به في مكتبه: “أين ذهبتَ يا آدم؟ أجننتَ لتترك الحفلة بموظفي الشركة بمدعويها بمفردهم .. هيا بنا إلى الأسفل”، وسحب الرجل آدم من كتفه وهبطا إلى الأسفل .. واختلط آدم مرةً أخرى مع الجمع من الموظفين والمدعوين وما زال عقله يفكر .. كيف سوف ينتقم من مراد لعمل تلك الخدعة معه ..
***
بعد مرور سبعة أيام ..جلس آدم في الدور الثالث عشر من مقر شركته (المستقبل للتكنولوجيا والمعلومات) على مكتبه في غرفته الواسعة الكبيرة.
ومحاط بحوائط زجاجية شفافة تسمح له برؤية ما يحيطه من كل جهة.. وتمر الشمس بأشعتها الذهبية في أنحاء الغرفة من خلال زجاجها، وبذلك يوفر الكهرباء ويستغل أشعة الشمس في توليدها .. فالمبنى بالكامل مُغطًّى بالخلايا الشمسية .. حمل هاتفه بيده وهو يعبث به وهو ينظر في شاشته إلى اسم أخيه مراد يومض على الشاشة وهو يسمع رنين الهاتف وينتظر أن يرد عليه .. لحظات قليلة وانقطع صوت الرنين، فألقى هاتفه أمامه على مكتبه وهو غاضب وهو يحدث نفسه بحدة .. “تتهرب مني منذ أسبوع يا مراد .. لا تقابلني عندما أذهبُ للبحث عنك .. ولا ترد على هاتفك .. حسنًا .. عندما أراك في المرة القادمة سوف أجعلك تندم أشد الندم على فعلتك الحمقاء معي .. “
صوت طرقٍ على الباب جعله يتوقف عن تفكيره .. فظهرت على باب المكتب صورة كبيرة للشخص الذي يطرق عليه من الخلف.. فوجدها سكرتيرته أماني .. بلبسها الأسود المُعتاد وحجابها الأبيض المحبوك على رأسها وشعار الشركة يزين صدرها، وتحمل بيدها تابلت صغير وقلمًا إلكترونيًّا أبيض .. وتقف أمام الباب في انتظار الدخول .. أمرها آدم بالدخول، فدلفت إلى داخل الغرفة سريعًا، ووقفت أمام مكتبه وهي تبتسم بودٍّ .. “صباح الخير يا سيدي .. لقد انتهى المهندس رأفت من النماذج الأولى من الساعة الذكية الجديدة يا سيد آدم .. ويرغب بعمل Presentation لذلك النموذج عندما ترغب .. “
تهلل وجه آدم فرحًا .. ” فلتطلبيه حالًا يا أماني .. إني أعوِّل على هذا المنتج الكثير .. واتمنَّى أن ننافس به بقوة في تلك الفترة، فلتحضريه في التَّوِّ .. “
هزت أماني رأسها بسرعة وتوجهت إلى الخارج .. فاستوقفها فجأةً آدم .. فعادت إليه مسرعةً .. فحدثها بابتسامة خفيفة:
“اطلبي من عم عنتر يا أماني أن يصنع لنا أكوابًا من الشاي الأبيض الذي ابتعته قريبًا .. ولتجربيه أيضًا يا أماني .. فإن مذاقه أفضل من الشاي الأخضر والأسود .. وقيمته الغذائية والصحية أعلى بكثير .. “
هزت أماني رأسها مبتسمةً .. “حسنًا يا سيد آدم .. سوف أفعل.” ثم انصرفت أماني في الحال إلى خارج المكتب.. بعد عدة لحظات طرق على باب المكتب شخصٌ آخر ظهرت صورته سريعًا أمام آدم على الباب فابتسم آدم وهو يقف على مكتبه ويسمح له بالدخول .. فدلف الرجل سريعًا ووقف أمام آدم الذي ووقف أمامه وبدأ يُصافحه بودٍّ شديد .. “كيف حالك يا بشمهندس رأفت .. كيف أتيتَ بتلك السرعة .. هل كنت مختبئًا خلف الباب أم ماذا .. ؟”
ضحك رأفت وهو يصافحه .. “لا..لم أكن مُختبئًا .. ولكني لم أستطع صبرًا أن أنتظرك .. فأتيت إليك مُسرعًا لكي أعرض عليك باكورة إنتاج بحثي أنا وفريق عملي ..” أخرج رأفت من جيه عُلبةً بيضاء متوسطة الحجم، وفتحها أمام آدم فظهرت بالعلبة ساعة رقمية مُغلَّفة بإطار أسود ومزخرف بطريقة رائعة .. فالتقطها آدم بيده باهتمام وأكمل رأفت حديثه .. “كما ترى في يديك الساعة الذكية .. (المصباح) .. أول ساعة ذكية تُصنع في الشرق الأوسط وأفريقيا .. وبها أكثر من 3 براءات اختراع .. فلترتدِها ..” .. قام آدم بارتداء الساعة في يده اليمنى .. وهو سعيد وعلى وجهه علامات السرور .. وتابع رأفت شرحه وهو يطبق ما يقوله، ويُشير إلى مكونات الساعة .. ” ..كما ترى يا سيد آدم هذه الساعة مصنوعة من الفولاذ المقاوم للصدأ والشاشة محمية بالياقوت الكريستالي .. ارتفاع 42 ملم تأتي بدقة شاشة 312×390 بيكسل .. تستطيع بالطبع أن تقوم بالمكالمات من خلالها .. وسماع الموسيقى ونقل البلوتوث والواي فاي .. ” .. قاطعه آدم فجأةً بضيق .. “ولكن هذا كله موجود في ساعات سامسونج وابل وجوجل .. أين الجديد؟ فيمَ نحن متميزون؟” ابتسم رأفت ابتسامة كبيرة وشمر عن ساعديه وفتح ذراعيه أمام آدم .. ” حسنا يا سيد آدم .. دعني أخبرك فيمَ نحن متميزون .. تتوافق ساعة THE LAMP مع مميزات جميع الساعات الأخرى .. ولكن ساعة المصباح تختلف عنها في القادم .. فالتركز معي الآن .. ساعتنا بها مساحة داخلية 20 جيجا .. وسرعة رامات 4 جيجا .. في الاستخدام العادي بطاريتها تكفي ل58 ساعة عمل .. وفي حالة الاستخدام الأقصى للساعة تدوم مدة 14 ساعة عمل .. وتحتاج إلى شحن 58 دقيقة فقط .. ساعتنا بها أوامر صوتية .. تستطيع أن تأمر الساعة بأي أمر مُباشرٍ من أعمالها فتقوم به .. “فتحدث رأفت بصوت عالٍ .. ” المصباح .. كم الساعة الآن؟”
فأصدرت الساعة صوتًا إلكترونيًّا نسائيًّا .. “الساعة الآن العاشرة وخمس دقائق .. ” .. فنظر له آدم عابثًا .. ” هل ستخبرني الساعة بالوقت فقط .. أم يوجد مزايا أخرى للأوامر الصوتية كما اتفقنا من قبل .. “
“بالطبع يا سيد آدم .. لقد قمنا بتحميل موسوعة ويكابيديا بأكملها على ذاكرة الساعة الداخلية .. تستطيع أن تعطيها أمر البحث الذي تريده فتقوم بالبحث عنه في الحال، ولا تحتاج إلى وجوود إنترنت لذلك .. وفي القريب سنضع الكثير من الموسوعات والمكتبات الكبرى مثل مكتبة الكونجرس، ومكتبة الإسكندرية وغيرها في ذاكرة الساعة الداخلية .. وهناك ميزه أخرى للأوامر الصوتية سوف أتطرَّق إليها بعد قليل .. فلنتابع باقي المميزات .. ومنها أن هذه الساعة تستطيع أن توفر في بطاريتها كما قلنا من قبل عن طريق نقل البيانات المراد تشغيلها على أي سطح قريب به شاشة مسطحة مثل التلفاز أو الكمبيوتر أو الموبايل، وبذلك نوفر طاقة الساعة ونجعلها تدوم أكثر .. ” .. فرد آدم ذراعه وهو يضغط على ذر على الساعة، فتم تشغيل فيديو كليب أمامه على شاشة التلفاز على الحائط .. فابتسم آدم وهو ينظر الي رأفت بسعادة .. ” ممتاز .. فكرة رائعة للغاية يا بشمهندس، ولكن إذا لم نجد تلفازًا أو شاشة تصلح للعمل ماذا نفعل .. ” .. ابتسم رأفت وهو يُشير إليه بيديه .. ” لا تقلق .. لا تقلق .. إذا لم تجد أي شاشة للعمل .. أو إذا كنت في الصحراء أو الغابات أو أي مكان سوف تعمل الساعة .. فلتضغط على الزر هنا .. ” أشار رأفت إلى زر على الساعة فضغط عليه آدم في الحال .. فظهرت صورة هولجرامية لشخص يركب دراجة نارية ويقوم بالسباق في منطقة طينية .. بصورة ليست واضحة تمامًا، ولكن تستطيع أن تبين من خلالها ما تراه .. ابتسم آدم وهو ينظر إلى صورة المتسابق وهي تتكرر أمامه .. ” هذا رائع .. هذا رائع للغاية .. ” فأكمل رأفت حديثه .. ” كما ترى هنا لن تحتاج إلى شاشة الساعة الصغيرة أو إلى أي شاشة أخرى .. لوجود صورة هولجرامية بدقة ليست كبيرة ولكننا نسعى لتطويرها في القريب العاجل .. وهناك أمر آخر خاص بالأوامر الصوتية .. انظر إليَّ الآن .. أيها المصباح .. فلتحلل لي الآن ماذا يوجد أمامك ..” فجأةً خرجَ من الساعة ضوء أزرق هولجرامي أمامه سلط على التلفاز لعدة لحظات .. ثم نطقت الساعة سريعًا .. ” تلفاز كوري من النوع LED .. 52 بوصة ..132 سم .. و ..” وظلت تعدد في تفاصيل التلفاز .. فضحك آدم بشدة وهو يربت على كتف رأفت .. ” أحسنت .. أحسنت يا رأفت .. بهذا لن يكون لنا منافس في السوق هذه الفترة ..”
” ليس بعد يا سيد آدم .. فهناك ما زالت بعض المميزات من أهمها .. أن تلك الساعة لا ترتبط بنظام تشغيل معين .. فتستطيع الساعة أن تفك شفرة أي نظام مفتوح في 15 ثانية فقط في أول مرة وبعد ذلك لا تحتاج إلى تلك العملية في الاتصال مرة أخرى، هذا بالنسبة للأنظمة المفتوحة مثل الأندرويد .. ولكن بالنسبة للأجهزة غير مفتوح نظامها مثل نظام شركة أبل IOS .. فنستطيع أن نتواصل معهم باتفاقية بمقابل مادي .. يمكننا به التعامل مع نظامهم وبتلك الطريقة نستطيع أن نحصل على حصة كبيرة جدًّا من السوق ..” .. صفق آدم بشدة لرأفت وهنأه بحرارة .. ” أحسنت.. أحسنت بشدة يا رأفت أنت وفريقك البحثي .. تستحقون كل مبلغ ومجهود بذل في تطبيق أبحاثكم .. هكذا تكون الأبحاث.. هكذا يكون سوق العمل .. وليس جمعيات خيرية كما يعتقد البعض .. هذه فرصة رائعة لاستحواذنا على حجم كبير من السوق .. كم تتوقع أن تصل تكلفة ذلك المنتج للمستهلك النهائي ..”
“أعتقد في حدود 2000 دولار او ما يوازي 20000 ألف جنيه مصري .. “
داعب آدم ذقنه مبتسمًا .. “لا .. لا يا صديقي .. هذا المنتج لن نبيعه بأقل من 60000 ألف جنيه مصري .. انا أهدف إلى قشط السوق .. هذا المنتج لن يكون متاحًا للجميع .. متاحًا لمن يدفع فقط .. فلتترك نموذج ساعة المصباح معي الآن لأتأكد من مدى جودتها .. ولتشرع أنت وفريقك في الانتهاء من باقي الطلبية وسوف أبدأ إجراءات الدعاية والتسويق في الحال”.
ظل آدم يربت على كتف رأفت .. ” أحسنت .. أحسنت يا رأفت .. ” .. شعر رأفت بالسرور وهو يصافح يد آدم، وانصرف مغادرًا .. ووقف آدم يراقب الساعة بيده وهو سعيد .. وظل يضغط على بعض أزرارها ويُراقِب عملها ..
****
في الساعة العاشرة مساء .. توجه آدم إلى منزله الخاص بمدينة 6 أكتوبر .. وبدأ بطقوسه اليومية المعتادة .. فتح التلفاز عند دخوله .. بدَّل ملابسه، فتح ثلاجته القريبة من أريكته أمام التلفاز .. سحب بعض العصائر الباردة وبدأ يتناولها وهو يشاهد قنوات الأخبار الأجنبية .. ليتابع ظهور إعلانه الممول على بعض تلك القنوات .. ظل يفكر وهو يمدد جسده براحةٍ كبيرة على الأريكة في خطة تسويقه للمنتج الجديد المصباح .. فرفع معصمه وظل ينظر إلى الساعة الذكية التي يحملها فوقه .. وهو يتخيل أكثر من شكل ومن تصميم لإضافتها علي سوار الساعة .. بدأت عيناه تغفوان قليلًا وهو ممد علي الأريكة .. فأغلق عينيه ليأخذ قسطًا من النوم المريح الذي لا يدوم أكثر من دقيقتين أو ثلاث، ويواصل بعد ذلك استيقاظه في نشاط كبير .. غفلت عيناه سريعًا وذهب إلى عالم الأحلام الجميل الممتع .. ولكن سحب بعنف من هذا العالم عندما رن هاتفه رنة غريبة جديدة على أذنه .. فأفاق متضايقًا، وظلَّ يبحث عن هاتفه بجواره .. فوجده أسفل منه في جانب من الأريكة .. فرفعه ونظر من خلاله فوجد رسالة جديدة .. ففتحها بفضول .. ليجد صورة مكتوبًا عليها الوقت والتاريخ لوجهة منزله الخاص من الخارج .. نظر آدم إلى الصورة بفضول لحظات .. ثم نظر بالهاتف على تاريخ اليوم والساعة فوجدهما متطابقين .. أي إن الصورة أُخذت الآن من أمام المنزل .. قفز آدم مذهولًا من على الأريكة .. ليجد وصول رسالة جديدة لهاتفه .. ففتحها .. ليجد صورة للدور العلوي بمنزله .. ثم لحظة واتته رسالة أخرى بصورة أخرى لمطبخه .. ثم صورة أخرى لحمَّامه .. نظر آدم فزعًا حوله.. مَن الذي يقوم بتصوير منزله الآن وهو موجود بداخله؟ مَن لديه الجرأة على ذلك .. لحظات واتته الإجابة سريعًا .. رسالة أخرى وتحمل صورة أخرى ولكن هذه المرة صورة لآدم نفسه من ظهره وهو يقف وينظر في هاتفه .. التفت سريعًا خلفه .. يبحث سريعًا عمَّن يقوم بتصويره .. فلم يجد أحدًا .. رسالة أخرى .. بصورة أخرى لآدم مرةً أخرى، ولكن تلك المرة من أعلى رأسه .. رفع حاتم رأسه إلى أعلى سريعًا ليرى مَن يقوم بتصويره ..
لتأتي له رسالة أخرى فيفتحها ليجد صورة لنفسه ولكن تلك المرة أُخذت من خلال الكاميرا الأمامية لهاتفه .. ألقى آدم الهاتف بفزع شديد من يده، وظلَّ ينظر له وهو يصرخ ويدور حول نفسه مندهشًا في أرجاء المنزل .. “مَن أنت؟ مَن يقوم بتصويري؟ أين أنت؟ أتجرؤ وتدخل منزلي وأنا به؟ أنا أعلم أنك تراني الآن من خلف الكاميرات التي تضعها في أنحاء المنزل .. ولكن أعدك أني سوف أجد هذه الكاميرات وبسهولة شديدة سأتوصل إليك من خلالها .. ” .. قطع صراخه ووعيده .. صوت رنين هاتفه وهو يرن بلحن مشهور للغاية .. فتعجب آدم من ذلك اللحن الشهير الذي أصبح نغمة لرنين هاتفه وهو لم يغيره أو حتى يلمسه منذ لحظات .. التقط الهاتف ووجد شاشته تومض برقم غير معروف .. فالتقط آدم الهاتف بغضب ووضعه على أذنه .. وهو يصرخ من خلاله .. “مَنْ أنت أيُّها اللعين .. ” .. لتأتيه الإجابة سريعًا بصوت خشن أجش .. كفحيح الأفاعي أو نهيق الحمير .. صوت كريه ولكن مميز .. لقد علم آدم مَنْ صاحب الصوت من قبل أن يعرف نفسه وهو يحدثه بضحك .. ” هههههههههههه .. هل نسيتني؟ هههههههه ..لا تقلق أعدك أنك منذ هذه اللحظة لن تنساني للأبد .. فلا أحد ينسى .. العابث .. “
صرخ به آدم غاضب .. “هل ما زلتم أيها الأوغاد مصرين على خدعتكم السخيفة تلك .. فلتخبروا مراد بأني سوف أعاقبه وأعاقبكم بشدة على هذه الدعابات السخيفة .. وسأجعلكم تندمون أشد الندم .. ” .. جاوبه العابث بنبرة بها حدة .. ” فلتسمع إلى ما سأقوله الآن يا صديقي وإلا أنت مَنْ سيندم أشد الندم .. أنت الآن تلعب معي الآن .. أنا العابث .. وما أنت فيه الآن هو بداية تلك اللُّعبة، وليس دعابة نفذها أخوك وأصدقاؤه الميتون .. فلتفكر لحظاتٍ .. هل يستطيع بضعة صبية مثل مراد وأصدقائه ان يفعلوا مثل ما فعلت معك منذ لحظات؟” عقدَ الكلام لسان آدم، ولم يستطع الحديثَ، وظل يفكر بمن يفعل به ذلك .. فتابع العابث حديثه .. ” عند كل لعبة جديدة سوف تسمع هاتفك يشدو بلحن ” شبح الأوبرا الشهير ” وسوف تبدأ اللعبة بعد ذلك بعشر دقائق .. وأنا أفعل ذلك لكي أعطيك الفرصة لتتهيأ للعبة، وتحاول أن تزيد من فرص فوزك بها .. ” صرخ به آدم مرةً أخرى غاضبًا ..” حسنًا قد لا تكون أحد أصدقاء أخي بالفعل .. ولكني أعدك أنك سوف تندم لأنك حاولت أن تعبث معي .. أنا أعلم الآن أنك مأجور من شركة كبيرة لها تكنولوجيا حديثة للغاية .. وتريدون أن توقفوا تقدمي وأبحاثي .. ولكن للأسف أنتم اخترتم الشخص الخطأ لكي تجعلوه خصمًا لكم .. لأني سوف أتتبع تلك التكنولوجيا التي تستخدمونها بطريقةٍ عكسية، وسوف أستخدمها لصالحي ولصالح شركتي .. فلتتقدموا إليَّ بأعتى قدراتكم التكنولوجية .. وأعدكم أنكم سوف ترون تكنولوجية تفوقها بمراحل كثيرة .. ” .. ضَحِكُ العابث ازداد في الهاتف وازداد حنق آدم أيضًا .. فتحدث العابث سريعًا .. “يبدو أنك تمتلك جبالًا من الغرور تحملها فوق رأسك .. حسنًا سوف أكتفي بتلك القواعد الآن .. وسوف أخبرك بباقي تلك القواعد فيما بعد .. إذا استطاعت الفوز باللُّعبة الأولى .. هناك سؤال مهم للغاية نسيت أن تطرحه عليَّ يا صديقي: ما المطلوب منك لكي تفوز بتلك اللعبة؟ الأمر بسيط للغاية .. فلتنجُ بحياتك .. “
فجأةً يُقطع الاتصال .. وتُقطع الكهرباء في المنطقة بأكملها .. فوقف آدم في الظلام مصدومًا مدهوشًا .. من القدرة التكنولوجيا التي رآها الآن تُستخدم ضده .. وفكر مَن الذي يقوم بفعل ذلك معه .. قطع تفكيره صوت هاتفه وهو يرن بصوت اللحن الشهير (شبح الأوبرا) .. نظر آدم للهاتف بفضول وهو يفكر كيف استطاعوا ان يخترقوا هاتفه بتلك السهولة .. وزاد قلقه على مشاريعه وأبحاثه التي ما زال يعمل عليها، ماذا يفعل إذا استطاعوا أن يصلوا إليها؟ عادت الكهرباء سريعًا بفعل المولد الاحتياطي الذي يضعه آدم في أعلى سطح المنزل، فعاد التلفاز يعمل بصوته الصاخب الشديد .. فنظر اليه آدم بلا مبالاة وجلس على الأريكة بضيق وهو يفكر هل تسربت أسراره وأبحاثه أم ما زالت في أمان .. ظل يداعب ذقنه بيده اليُسرى بضيق وهو يحمل بيده اليُمنى جهاز الريموت يقلب في قنوات التلفاز .. وهو ما زال يفكر في حقيقة المكالمة التي أتت إليه منذ قليل .. فلفت انتباه الساعة الذكية التي على معصمه .. فظل يقلب بها وهو حزين .. هل اكتشفوا أسرارها أيضًا أم لا .. فضغط على الزر الذي يحلل الأشياء فخرجت منه أشعة زرقاء سريعًا .. فوجها آدم إلى هاتفه المحمول ليخبر بمكوناته لعله يعلم ما المادة المضافة إلى الهاتف .. ويختبر كفاءة الساعة الذكية أيضًا .. ولكن لم يحدث شيءٌ .. ظل آدم يهز معصم يده ويوجه الساعة على هاتفه، ولم يحدث شيءٌ .. فغضب بشدة وهو يصرخ “حتى تلك الساعة اللعينة لا تعمل .. لا تعمل .. ” .. وحاول أن يلقيها من يده ويحطمها غاضبًا .. ولكنه تراجع في آخر لحظة وهو يتذكر المبلغ الذي دفعه والمجهود الذي بذل فيها .. فحاول أن يُهدئ نفسه وهو يفكر بأن العصبية والغضب لن تحل شيئًا من مشكلاته، يجب أن يفكر بهدوء .. ففرد يديه على جانبي الأريكة، وألقى رأسه للخلف مرتخيًا وأغلق عينيه، وحاول أن يتحكم في نفسه لكي يهدأ .. وظل يفكر فيمن فعل ذلك معه .. هل هو عدو أم صديق؟ هل هناك خائن في شركته يخرج أسرارها؟
ظل فترةً كبيرة يفكر بذلك .. عندما سمع فجأةً صوت ساعته يتحدث “الأسد .. قِطٌّ أفريقي كبير.. وزنه 254 كيلو .. طوله 165 سم .. يعيش الذكور مدة 8 سنوات .. والإناث من 10 إلى 12 عامًا .. وظيفة ذكور الأسود هي الدفاع ووظيفة إناث الأسود هي صيد الفرائص، ومع ذلك تأكل الأسود الذكور أولًا.. زئير الأسد قويٌّ جدًّا حيث إنه يُسمع على بعد 5 أميال.. قوة بصر الأسد أقوى من قوة بصر الإنسان بمعدل خمس مرات .. وجود الشعر واللبدة حول رأس الذكر .. لأن الأسد الذكر هو الذي يقوم بمعظم الصراعات والأخطار فهو مزود بالفرو ليساعده على حماية نفسه .. ” وظل صوت الساعة يهب في معلومات غريبة .. ففتح آدم عينيه بضيق وهو ينظر إلى الساعة بغضب ويصرخ بها بحدةٍ .. ” أيتها الساعة الغبية .. أطلبُ معلومات عن الهاتف .. تخبرينني عن الأسود؟ ها .. أيتها الساعة اللعينة ” .. وظل يصرخ آدم بغضب .. فسمع جلبه وشئ يتحطم خلف الأريكة .. فنظر خلف الأريكة خلفه وهو جالس .. ففزع بشدة وقفزَ من مكانه مرعوبًا .. وهو يدقق فيما يراه خلف الأريكة .. هل ما يراه حقيقي أم لا؟ هل بالفعل يوجد خلف أريكته أسد ضخم بالفعل؟ أم ما يراه هو مجرد هلاوس؟ حقَّق ودقَّق .. وحدَّق بعينيه بشدة أمامه .. وبالفعل ما يراه حقيقي .. أسد ذكر كبير بشعره الأشعث الطويل حول عنقه .. وعينيه الذهبيتين الكبيرتين ولونه الأصفر القديم وقدميه الكبيرتين التي ضربة منهما تعادل قوة خمسين كيلو ..يقف أمامه بكل قوة وشموخ وينظر له بنظرات قوية ومخيفة .. وآدم يقف أمامه مصدومًا .. مذهولًا .. لا يدري ماذا يفعل!!

كيف وجد آدم نفسه بصحبة أسد أفريقي ضخم بمنزله ، وماذت تعتقد بأنه سيحدث ؟
✍️ اكتب ماذا تعتقد في التعليقات قبل أن تقرأ الحلقة التالية… حتى تقارن توقعاتك بما سيحدث بعد ذلك! 👇